تجديد النضال الفلسطيني

13 نوفمبر 2023
+ الخط -

في أكتوبر/ تشرين الأول من كلّ عام، يحتفل المصريون والسوريون بانتصارات أكتوبر المجيدة ضد الاحتلال الإسرائيلي (1973)، وفي 21 مارس/ آذار، يحتفل الأردنيون بمعركة الكرامة الخالدة (1968)، وتشكل هذه الاحتفالات إشارة واضحة من هذه الدول، وتيقظاً منها، إلى أنّ الاحتلال الإسرائيلي، وإن وُجِدت اتفاقيات سلام معه، لا يزال يتربّص بالعرب، وليست المناوشات الحدودية بين دول الجوار والاحتلال الإسرائيلي، والتي تحدث بين الفينة والأخرى، إلّا دليلاً على ذلك.

 لكن في السنوات العشر الأخيرة، شُغلت وانشغلت الدول العربية والإسلامية بصراعاتها الداخلية وأزماتها الاقتصادية والاجتماعية، وكادت فلسطين وقضيتها تختفيان من الساحة السياسية والوطنية  بعد أن كانت، في فترات سابقة، تتصدّر عناوين النشرات الإخبارية في القنوات العربية الرسمية أو الخاصة.

الأحداث المتفرقة زمنياً، والتي كانت تصل إلينا من الأراضي الفلسطينية المحتلة، من تهجير وتهويد للمدينة المقدسة إلى الاعتداء على المسجد الأقصى المبارك والمرابطين فيه، إلى العمليات الفردية في الضفة الغربية وسلسلة الحروب الإسرائيلية على قطاع غزة... كانت تجدّد الوجود الفلسطيني في الإعلام العربي والغربي، وتعيد القضية الفلسطينية إلى الواجهة، ما يجعلها في صدارة القضايا العالمية التي تُشغل الرأي العام العالمي. ولعلّ الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في عام 2021، والتي كان سببها استباحة المسجد الأقصى المبارك، خير دليل على ذلك، إذ كانت الأخبار القادمة من فلسطين هي الرقم واحد في العالم العربي.

في السابع من أكتوبر من هذا العام، تمكنت كتائب القسّام، وهي الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وإلى جانبها الفصائل العسكرية المساندة لها، من الدخول إلى المستوطنات الإسرائيلية القريبة من محيط قطاع غزة عبر البر والبحر والجو، والاشتباك المباشر مع قوات الاحتلال المتمركزة في تلك النقاط. وبهدف الوصول إلى صفقة لتبادل الأسرى، احتجزت المقاومة الفلسطينية عدداً من الأسرى، وعُرفت هذه المعركة بمعركة طوفان الأقصى.

من الجانب الإسرائيلي، ردّت القوات الإسرائيلية بقصف القطاع بشكل غير مبرّر وعشوائي، وتعتبر هذه الحرب هي الأشرس على قطاع غزة المحاصر، ولا تزال جارية حتى اللحظة.

أعادت معركة طوفان الأقصى القضية الفلسطينية إلى صدارة القضايا التحرّرية العالمية، وجدّدت النضال الفلسطيني، وأعادت للذاكرة العربية كلّ أشكال المقاومة للمحتل

هذه المعركة أعادت القضية الفلسطينية إلى صدارة القضايا التحرّرية العالمية، كما أكدت المقاومة من خلالها أنّها مستمرة بمواجهة قوى الاحتلال، وجدّدت النضال الفلسطيني، وأعادت إلى الذاكرة العربية كلّ أشكال المقاومة للمحتل، وخاصة المقاومة المسلحة، ورسخت في الأذهان أنّ الاحتلال الإسرائيلي هو مَن نفذ كلّ المجازر داخل الأرض الفلسطينية من عام 1948 حتى هذه اللحظة.

وكان قد تولّد في مخيلة البعض أنّ النضال الوطني الفلسطيني الموّحد قد تلاشى، ومقاومة المحتل باتت مقاومة فردية غير منسقة بين الفصائل الفلسطينية حيث تقبع غزة تحت حصار مُطبق، وهي معزولة عن العالم الخارجي بشكل تام، خاصة أنّ الضفة الغربية تشهد سطوة كبيرة للجيش الإسرائيلي، ما يُصعّب وجود مقاومة منظمة ضد الاحتلال. يُضاف إلى هذا كلّه، أنّه في السنوات الأخيرة، زادت وتيرة التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، والتعامل مع وجوده كأنّه طبيعي، فاتخذ التطبيع أشكالاً متعدّدة، ما جعله يتجاوز كونه مجرّد اتفاقيات سلام إلى التعاون الإعلامي والثقافي والشراكة الاقتصادية مع الاحتلال... ليشكل هذا كلّه علامات تنبئ بخطر واضح حول تصفية القضية الفلسطينية، سياسياً وإعلامياً، واغتيالها في ومن ذاكرة الأجيال القادمة.

أخيراً، يمكن القول إنّ معركة طوفان الأقصى جاءت لتؤكد للجميع أنّه لا يمكن تصفية القضية الفلسطينية من دون حلّ كامل وجذري لها، وأنّ الشعب الفلسطيني على امتداد الجغرافيا الفلسطينية يتحمّل كلّ يوم أبشع أنواع الجرائم ضد الإنسانية، وأنّ المقاومة الفلسطينية حاضرة، وباقية، وراسخة، وملتزمة بواجباتها تجاه أرضها ومقدّساتها وشعبها، والنضال مستمر ومتجدّد من دون توقف.

جواهر
جواهر ميان خان بلوجي
كاتبة و باحثة باكستانية، حاصلة على شهادة البكالوريوس في التاريخ من الجامعة الأردنية، متخصّصة في تاريخ القبائل في جنوب أسيا.