تأملات في ثلاثية "فيتروفيوس"... الوظيفة الإنشاء والجمال

18 مايو 2022
+ الخط -

لعلها المعلومة الأهم التي تعلمتها في مجال العمارة.. ثلاثية المعمار في مثلث "فيتروفيوس"، أسس ثلاثة يقوم عليها أي بناء، فلولا احتياج الإنسان إلى مكان يحويه لأداء وظيفة يومية ما لما بنى، ولو أنه لم ينشئ بنيانه إنشاءاً قوياً لما استمر منشأه، وإذا أهمل جانبه الجمالي لَما أَلِفَ المكان ولكان ثقيلاً على النفس كلما ارتاده، فلولا حاجة العلم ووظيفة التعلم، لما كانت المدرسة، وكذلك لولا حاجة العافية والاستشفاء لما وجدت مستشفى، ولولا الأعمدة والقواعد لما بقي بناء، ولولا القباب المزخرفة والأقواس المطرزة والكتل البنائية المتزنة أو اندماج منزل قروي من الطوب اللبن مع الطبيعة من حوله وغير ذلك من العناصر لما كان هناك طرز معمارية تعكس هوية مجتمع ما فتميزه عن غيره من المجتمعات، وذلك التثليث وإن اختلف الفلاسفة والمعماريون فيما بعد حول ترتيبه والمهم فالأهم فيه، إلا أنهم داروا في فلكه ولم يخرجوا عن نطاقه منذ القرن الأول قبل الميلاد إلى يومنا هذا.

فكر، وحلل الأمور، واسأل النفس دوماً قبل أي عمل: ما الغاية المرجوة منه؟ وعلى ما يقوم؟ وكيف يبدو للناظرين؟..

إلا أن الأمر -حفظك الله- لا يقف عند هذا الحد، فإن هذه الأسس ما كانت لتقف عند حد المعمار وحسب، فلكأنها انطلقت بين أزقّة العلوم والفنون الإنسانية لتضع الأسس والمعايير، أو لربما وجدت أصلاً في العمارة كانعكاس لفلسفة حركة الإنسان على البسيطة، فرسالة ما يسعى الكاتب لإيصالها وتوظيفها في بعض الكلمات أو فكرة يرجو إرساءها وقواعد لغة يبني عليها كلماته وجانب بياني جمالي يجذب قارئاً ما ويشده شداً بالطبعِ هذه هي "المقالة"، وبدون أي عنصر من الثلاثة يفقد العمل أثره أو لربما فقد وجوده ..

والأمر مفتوح لعنانك، فكر في الأمر وقس على ما هو غير ذلك من العلوم والفنون الإنسانية، وإذا كانت الحياة بناءاً وحركات المرء ونشاطاته لبنات هذا البناء فلا بد أن يبدو البناء بخامة لبناته، وعلى هذا فتدبر واعلم أن الحياة ليست بحياة إن لم يكن بها غاية تسعى لتوظيف الأمور لأجلها، ومبادئ مرسخة كقواعد متينة تحكم للمرء استقامته، موشحاً كل ذلك بطباعِ ومعاملات الجمال والحسن مع البشر تلك التي تقدم شخصك للناس فيتقرر انطباع المجتمع عنك .. من ثم فكر، وحلل الأمور، واسأل النفس دوماً قبل أي عمل: ما الغاية المرجوة منه؟ وعلى ما يقوم؟ وكيف يبدو للناظرين؟..

دلالات