بين صدام والباسل، ضاع علي حليحل
في بداية السبعينيات، انتشرت أغنيةٌ للمطربٍ السوري موفق بهجت تقول "يا صبحة هاتي الصينية… صبي الشاي ليكي وليا"، ولاقت نجاحاً كبيراً، لسرعة إيقاعها وبساطة كلماتها بالمقارنة مع أغاني تلك الحقبة.
لكن هذه الأغنية أحدثت إشكالية أمنية في العراق، فكانت كفيلةً بإرسال مَن يُضْبَط متلبساً بغنائها إلى المعتقل، بتهمة السخرية من "أم المناضلين"، والدة الرئيس العراقي صدام حسين.
ففي منتصف الثمانينيات، وأثناء تنظيم معرض عن حياة السيدة "صبحة طلفاح" والدة الرئيس صدام حسين، وبحضور عددٍ كبيرٍ من الزائرين، وبعد الافتتاح، انطلقت أغنية موفق بهجت في القاعة "يا صبحة هاتي الصينية"، فأرغى خير الله طلفاح خال صدام وأزبد، واعتبر أن بث هذه الأغنية، إنما هو للسخرية من "أم المناضلين" فأحال مديرة المعرض إلى مجلس تحقيقي، وعاقب جميع موظفي القاعة.
هذه الألقاب التي كان يطلقها المنافقون والمتزلفون على الحكام الدكتاتوريين، وفي مقدمتهم حافظ الأسد، كانت تُربك صناع الأغاني، فكان تغيير لقبه يقضي على أغنية كانت رائجة، ويمسحها من الوجود، ومن الذاكرة أيضاً، فقد عُرف حافظ الأسد بلقب "أبو سليمان" متكنياً باسم جده الثاني الذي ينقطع نسبه عنده، هذا الأمر كان قد عيره به صدام حسين في القمة العربية عام 1982 قائلاً له "أتحداك أن يُذكَر جدك الثالث".
وأكثر الأغاني التي اشتهرت عن حافظ الأسد، في الثمانينيات أغنية "زادك الله" التي لحنها شاكر بريخان وغناها مصطفى نصري ويقول مطلعها:
زادك الله، زادك الله، عز وقوة قائدنا زادك الله
إلى أن يأتي الكوبليه الثالث فيقول:
عهد النضال عهد الصمود عهد بإيمان
عهد القتال عهد التحرير يا أبو سليمان
في مطلع التسعينيات، عندما أحس حافظ بأن الموت بدأ يلوكه ويبصقه، سارع إلى تحضير ابنه البكر باسل ليكون وريثه، فكان لا بد من التركيز على اسمه، وترسيخه في أذهان السوريين، ليكون مألوفاً لديهم، بل وأكثر من ذلك: أن يتغنى به الشعب.
ولما كانت أغنية "زادك الله" تتمتع بشعبيةٍ بلحنها القوي، وكلماتها المعبرة، فقد بقيت ضمن ميدان التداول، إنما بتعديل بسيط لتصبح:
عهد النضال عهد الصمود عهد بإيمان
عهد القتال حتى استرداد كل الجـــــــــولان
أكثر من ذلك، المطربة، أصالة نصري، وفي إحدى حفلاتها وهي تعيد أغنيات أبيها المرحوم مصطفى نصري، حذفت هذا المقطع نهائياً.
أصبح لقب "أبو باسل" ضرورة مرحلية، طَوَتْ عهد "أبو سليمان"، فانبرى مطربٌ لبناني مغمورٌ، جاء من بعلبك، اسمه علي حليحل، وغنى أغنيةً كانت سبباً لشهرته، وقام بتصويرها في التلفزيون السوري، وأصبحت تبث في كل المناسبات، وتعقد عليها الدبكات أثناء الاستفتاء الذي اصطلحوا على تسميته بـ "البيعة".
يقول مطلع الأغنية:
أبو باسل قائدنا يا بو الجـبــيـــــن العالي
تسلم وتصون بلدنا من غدرات الليالي
إلا أنه، كما يقال، "فرحته لم تصل إلى قرعته"، فالإرادة الإلهية تدخلت، وأخذت "الباسل" بحادث سيرٍ عام 1994، محطمةً مخططات حافظ الأسد وأحلامه، بتوريث بكره الذي أعده عسكرياً وسياسياً لهذا المنصب "العائلي"، وبدأ يسابق الزمن بما تبقى له من أنفاس، ليعد بشار، فمُنعت أغنية علي حليحل "أبو باسل" بموت باسل، فلم يعد لها أهمية لضرورة المرحلة. وأما بشار فهو رجل مسكين إذ تعهده جورج وسوف، بعد أن تآكلت حباله الصوتية.