بنادق خرز
أن تتجول في مخيم للاجئين الفلسطينيين في لبنان أثناء العيد، يعني كثرة الاحتمالات للاغتيال نفسياً أو إبقاء علامات في الجسد.
كما في كل عيد يُبتدأ بزيارة الشهداء والراحلين في المقابر، ومن ثم صلاة العيد وتوزيع الحلوى والمعايدات الشفهية، فهنا الجميع يعرف الجميع.
هكذا يبدأ الفلسطينيون في مخيم برج البراجنة عيدهم، الموت يقابل الحياة. وعلى الرغم من الأوضاع الصعبة اقتصادياً ومعيشياً، تفتح المحال أبوابها والبيوت كذلك.
وحين يخرج الأطفال إلى متنفسهم، تبدأ مرحلة أخرى من العيد، يحملون بنادقهم البلاستيكية مترافقة مع ملابسهم الجديدة، التي لا تلبث أن تتوسخ بفعل زوال الإسفلت وتراكم المياه في الحفر والأزقة.
تعلو الأصوات المندّدة بمن اخترع هذه البنادق، لأنّ القناصين الأطفال عشوائيون بطبعهم، ويتفلت الخرز في كل مكان حتى يصل إلى المارة والمنازل. والسؤال الأهم من اخترع هذه البنادق؟ إنهم الصينيون. تكلفتها تساوي عيدية طفل بعد جمعها من العائلة.
في المجتمعات الأخرى، ربما تكون القسمة بين حرامي وشرطي، لكن في المخيم التفرقة واضحة وصريحة، وربما لا تجد طفلاً يقبل أن يكون إسرائيلياً، فالكل يصبح فدائياً رمزياً يحارب أشباحاً أسموها العدو الإسرائيلي.
لا تجد طفلاً يقبل أن يكون إسرائيلياً فالكل يصبح فدائياً رمزياً يحارب أشباحاً
في المخيم، مشاهد تراجيدية تحمل معاني سياسية في الوجدان. وإذا كانت بنادق الخرز سلعة للبيع عند الصينيين، فهي رمز القتال عند الفلسطينيين. أما استخدامها، رغم خطورتها وقسوتها عند الإصابة، فتبدو مساحة طفولية لتفريغ احتقان وغضب شديد ينمو عند اللاجئين.
وإذا كانت بنادق الخرز سلعة للبيع عند الصينيين فهي رمز القتال عند الفلسطينيين
الطفل في المحصلة يحتاج إلى مساحة يلعب فيها، وحبذا لو كانت خضراء. وتفتقد المخيمات المساحات والنشاطات وكذلك إلى مراكز الرعاية الخاصة. فكم طفلاً يمكن أن يكون مبدعاً في الموسيقى لو وجد مركزاً يُعلّمه الموسيقى؟ وبدل أن يستخدم إصبعه للضغط على الزناد، يمكن أن يستخدمه للعزف على العود أو الغيتار. وكم من طفل يريد صرف طاقته على رياضة قتالية أو جماعية، وهذا غير متوفر في المخيمات، فتجده يركض ويركض حيثما شاء في أزقة مكفهرة لا يدخلها ضوء الشمس.
خرجت من المخيم في ثاني أيام العيد، بعد إصابات متعددة بخرز البنادق. وكل علامة بَقيت أصابت الروح مع أسئلة لم تجد إجابات، وأهمها: هل سيجد الأطفال حين يكبرون وطناً؟ أم أن المخيم سيبقى مكانهم كما كنتُ مثلهم يوماً؟