بعض ما رواه أحمد زكي عن الجنون والوحدة
كان ذلك في صيف 1998، وكنت قد ذهبت إلى الفنان الكبير أحمد زكي لإجراء حوار معه بمناسبة نشر أخبار صحفية متفرقة عن اتخاذه قراراً بالاعتزال بعد نجاح فيلم (صعيدي في الجامعة الأميركية) كإعلان عن هزيمة جيله أمام المضحكين الجدد. التقيت به في شقته بالمهندسين المواجهة لجامع الحامدية الشاذلية، والتي لم يكن يحب إطالة الإقامة فيها إلا يوم الجمعة بصحبة إبنه هيثم وجدة هيثم التي تولت تربيته بعد رحيل والدته الفنانة الرائعة هالة فؤاد.
كان بالشقة برغم فخامتها شيئ حزين وموحش جعلني أفهم لماذا يفضل الإقامة في الفنادق أكثر، كان قد انتهى من مقابلة بعض أقاربه الذين أتوا لزيارته من الشرقية وكان "رايقاً" جميلاً وفي أحسن حالاته. قلت له مشاكساً فور أن رأيته: "كل يوم أقرأ في جريدة مختلفة أنك خلاص نويت تعتزل التمثيل وأنك تجلس هذه الأيام حزيناً وحيداً في غرفة مظلمة"، فقال لي بجدية لم تلتقط مشاكستي: "لما أنا هاعتزل أمّال باعمل معاك الحوار ده لي أصلاً، وبعدين ما الأودة إضاءتها زي الفل أهيه وانا حالق دقني وآخر شياكة "، قلت له ضاحكاً: "يعني أصدقك وأكذب الجرايد".
رأيت إلى جواره بعض علب الأدوية كنت أعرف من بينها مهدئاً شائع الاستخدام، فقلت وأنا أشير إليه: "أهوه.. شايف يبقى الجرايد ما كذبتش"، فقال ضاحكاً: "الناس فاكرة إن اللي بيستعمل الحبوب المهدئة لازم يبقي بيشدّ في شعره وعيونه حمرا، أنا حكاية الحبوب المهدئة معايا بدأت من زمان وأنا طالب في معهد التمثيل، مش مرتبطة عندي بسبب معين، حتى عم صلاح جاهين الله يرحمه كان بيقول عليا إني زي العيل الصغير اللي كل مايلاقي حباية دوا يأكلها قبل ما يعرف هي دوا لإيه بالضبط.. يمكن عشان طول عمري عايش في قلق دائم وتحفز دائم لكل غلط بيحصل حواليا".
قلت له وقد قررت أن أستغل صفاءه وروقانه ما استطعت: "دعني أسألك عن حكاية الجنون الذي تتهم به كثيرا من الصحافة، البعض يرى ولديه شواهده أنك ضارب أو طاقق، بينما البعض الآخر يرى أنك تدعي الجنان والطققان كحالة؟"، ومع أني سألت السؤال كعادتي معه بطريقة تسوق الهبل على الشيطنة، لكنه تعامل مع السؤال بجدية شديدة وأخذ يرد بحرارة حتى بعد أن حاولت تلطيف الأجواء بأن أقول له أن الجنان والطققان هنا يردان بالطبع على سبيل المدح لا الذم.
قال أحمد زكي في الحوار الذي نشرت نصه بعدها بأيام في صحيفة (الجيل) وحقق نجاحاً كبيراً: "شوف.. كلمة مجنون كلمة مطاطة، زي كلمة طاقق، ممكن تعني ده طاقق في فنه، يعني مجنون في فنه، والجنون فنون، مش عارف الكلمة دي تتحط في أنهي سياق، صدقني مافيش بني آدم يشتكي من بني آدم من غير سبب، واحد يقول أحمد زكي اتخانق وساب التصوير لازم يا يقول ليه يا يقول مجنون بس، للأسف الناس بطلت تقول ليه، بقى فيه حكم مسبق عايز ترميه على الراجل ده وخلاص.. للأسف فيه نفوس مريضة كثيرة جدا".
سألته: "طيب الذين يعرفونك من بعيد لبعيد تكونت لديهم عنك صورة إنك إنسان مكتئب وتحب النكد وتستعذب الحزن.. هل هذه الصورة صحيحة؟"، فرد بحرارة: "آه صحيحة، وهاقول لك ليه، أنا عايز أعرف يعني إيه السعادة، أنا عايز أسعد بجد وعايز أضحك من قلبي بجد ولو خمس دقايق بس في السنة، بلاش قول لي مين هو السعيد بجد، أنا زيي زي غيري عندي اكتئاب تناوبي، إنما لو أنا إنسان عصبي وحاد ومزاجي عمال على بطال ومع الناس كلها لازم أروح أتعالج بقي، أنا عصبي وحاد فقط مع واحد إبن كلب غلطان ألاقيه بيحول الصدق بكل العبقرية اللي في الدنيا إلى كذب، والكدب يقلبه صدق، إنما لما ألاقي كل حاجة سليمة وأنا أخطأت أعتذر. دلوقتي تلاقي كل الناس عندها حق ومافيش حد بيغلط، لذلك لازم إنت كبشر تصرخ من حين لآخر، أنا بقيت ما أقدرش على فكرة الذهاب لمجتمعات كتيرة فيها ناس بيدعوا أنهم بيقتنصوا الفرحة ويقولوا لك: ليه ما تفرحش؟ إحنا بنعيش عصر مادي كله قلق وتوتر، ولكن الحمد لله أنا عندي رضا وقناعة ومتصالح مع نفسي، عمري ما أضريت بأحد أو ضايقت أحد"، ثم صمت فجأة وقال: " وبعدين يعني.. عيب أتكلم عن نفسي".
قلت له " لا.. معلهش.. إتكلم خلي القارئ يعرفك أكتر بدل ما يسمع الكلام اللي بيتصدّر عنك؟"، فأخذ يستفيض في حديثه: "أنا قلت كتير إني جوايا واحد شرس جدا وقاعد لي علي الواحدة.. والآخرين مش هيبقوا أقسي عليّا منه.. السعادة كما أعرفها هي لحظة عطاء، فين ده دلوقتي.. كل البشر بقى عندهم متعة الأخذ، مافيش حد بيعطي، الأخذ هو المسيطر بشراسة والكل فاقدين متعة العطاء.. ساعات أبص لنفسي في المراية وأقول "ياأخي ده إنت زهقتني ماتخليك حلو بقي وتبقي فرحان.. أنت ليه كده؟".. عارف ده سؤال باسأله لنفسي كتير جدا".
قلت له: طيب والحل في حالة زي دي.. هل إنك تسلم نفسك للوحدة؟"، رد بعد تنهيدة طويلة: "الوحدة أرحم.. خلاص خدت عليها وحبيت التأمل، أحيانا يصبح من الخطأ أن نقول دنيا من غير ناس ما تنداس، أنا مش متشائم، أنا عايز الناس تبقي فرحانة بجد، أنا باهرب كتير للناس البسطاء أقعد معاهم، بص خليني أسألك ليه بتزداد نسبة الإكتئاب في مجتمعنا.. العيادات النفسية كثرت دلوقتي لأن ما عادش فيه أصدقاء.. زمان كنت تحس إن في ناس أمناء على مشاعرك، تقدر تقول لي ليه الفلاحين ما عندهمش اكتئاب، لأنهم بيقعدوا على المصطبة آخر النهار وكله بيبعبع ويتكلم عن مراته والأرض والكيماوي، أنا دلوقتي مكتئب عشان مدرك إن في ناس بيكئبوني وقاصدين، هتلاقي نفسك دلوقتي ليك مجموعة هموم بتشكي منها لكنك تخاف تحكي همومك لحد لاحسن في يوم يطلع يقولها للناس، إمتى تحكي لحد سر من غير ماتخاف. عارف أقول لك علي حاجة غريبة أنا باحب الأنفلونزا وبالتحديد لما تبقى في العظم، لأن في لحظة ما تلاقي عظمك مش حاسس بيه، ممكن تنسي الإكتئاب والناس اللي مضايقاك وبيروح كل ده من بالك "، قال ذلك ثم ضحك بشدة، قبل أن يردد قائلا "بذمتك مش حلوة وصفة علاج الإكتئاب دي.. هابقى أسجلها باسمي ولما الناس تتعالج من الإكتئاب هتدعي لي وجايز البرد يبهدلهم فيدعوا عليا، مين عارف".
لم تتوقف شهيتي ورغبتي في المعرفة وأصررت على سؤاله لأول مرة منذ عرفته عن حب عمره هالة فؤاد رحمها الله، وأشهد أن عينيه اغرورقت بالدموع عندما ذكرها، مع أنني بدأت الاقتراب إلى تلك المساحة من منطقة أبعد قليلاً حين سألته "لكن في ظل اللجوء إلى الوحدة والعزلة، احتياجاتك العاطفية كيف تشبعها؟"، فقال ضاحكاً: "أنا ماشي بمبدأ إذا ما لقيتش حد يعطيك حاول أنت تعطي، ولو لقيت نفسك بتتعضّ اعطي أكثر لغاية ما تزهق ودماغك تنفجر، طبعا احتياجي كإنسان للمرأة فوق الوصف، لأن الرجل من غير مرأة مفقود، والمرأة كائن من أعظم ما يكون وإحتياجي لها لا حدود له"، وهنا قررت مداهمته بالسؤال فقلت: "بتفتقد هالة فؤاد الله يرحمها؟"، فأجاب وقد لمعت عيناه: "طبعا، أنا تزوجت هالة فؤاد عن حب وطلقت عن حب وكان الطلاق عنادا من الطرفين بسبب الحب، وعشان كده أنا الآن أحتاج أن تكون علاقتي بالمرأة علاقة فيها حوار ومشاركة وناس تسمع بعض طول الوقت".
وحين طلب مني تغيير الموضوع لأنه لا يحب أن يتحدث عن هالة فؤاد كثيراً، سألته برخامة مناسبة لسني وقتها: "أستاذ أحمد.. من غير كلام عام.. وبالتحديد.. هل في حياتك امرأة الآن إرتبطت بها؟"، ضحك من قلبه ثم قال وأنا أحمد الله على صفائه لي: "آه فيه.. وبالغيظ فيك مش هاقول لك، مش لازم كل ورقي يبقي مكشوف خاصة في الحتة دي، أنا راجل فلاح وعندنا حرمانية المرأة، وبعدين لسه مش هاعلن ده خالص، أحسن تبوظهولي، ممكن الصحافة تبوظ هذا الارتباط، أحيانا الناس تفرح لك لما تتجوز وبعدين يفضلوا قاعدين لحد ما يشوفوك هتتطلق إمتى، أنا بقى مش هاعمل الغلط ده، عشان الجوازة لو فشلت تبقى من ورا الصحافة".
في ثنايا الحوار عدنا إلى الحديث عن هالة فؤاد حين جاءت سيرة الكلام عن أبيه الروحي صلاح جاهين، وحكى لي قائلاً: "صلاح جاهين الله يرحمه كان قمة في العطاء، أذكر أنه مرة غضبت من زوجتي هالة فؤاد الله يرحمها، وكانت حامل في هيثم، وعاندت مع نفسي ورفضت مصالحتها، كان عم صلاح راجع من بره بعد ما عمل عملية القلب ورجع وفي صدره قطعة حديد، وبعدما قعد شهر نقاهة قال لي فجأة في يوم: "ماتيجي نسافر اسكندرية ناكل سمك وفطير ونضحك على مراتي منى قطان، ونقول لها إننا رحنا التليفزيون، وفعلا سافرنا بعربيتي الصغيرة، فجأة لقيته طلع بينا على المعمورة، وقعد يدور على عنوان قال إنه عنوان أحد قرايبه، بعد وقت طويل وصلنا للعنوان، خبطنا الباب وفتح ولقيت والد مراتي أحمد فؤاد في وشّي، أتاري عم صلاح من ساعة ما رجع وهو بيدور على العنوان اللي راحت هالة وأبوها فيه عشان يقضوا الصيف، وبمجرد ما دخل بدأ يقول نكت عشان يعمل جو لطيف، وقال لي خش صالح مراتك، صالحت هالة وإتغدينا وفوجئت بصلاح يقول لي أنا هانزل وحلف كل الأيمانات إني حتى ما أنزلش أوصله، ووقف في الشارع يستني تاكسي، وبالصدفة وقف له تاكسي صغير الحجم، وشفته وهو بيحشر نفسه في التاكسي، وبيلوح لي بإيديه وهو ماشي، فين تلاقي حد بالعطاء ده دلوقتي؟ إنت عارف مرّة صلاح جاهين قال لي: مشكلتك إنت جاي في عصر غير عصرك، كان دايما يوصي اللي حواليه عليا قبل ما يموت ويقول لهم: خلوا بالكو من أحمد زكي".
يغالبه التأثر ويتخذ قرارا من تلقاء نفسه بتغيير دفة الحديث قائلاً: "الحمد لله، كنت محظوظ إني ألاقي ناس عندها عطاء تحبني وتهون عليا لما أتحارب.. إنت عارف لما كنا في المعهد كان في شخص عظيم زي الدكتور رشاد رشدي يأخذنا لبيته ويسمعنا موسيقي عربية وغربية، أذكر إنه في مرة غَيّر لايحة المعهد عشاني، كنت جاي من الشرقية وطبعا لغتي الانجليزية ضعيفة، لكن كنت باطلع الأول علي زملائي، وكان في مادة في المعهد تقول إن اللي يسقط في مادة يعيد السنة كلها، ولما سقطت في الإنجليزي أمر بتغيير اللايحة عشاني".
أغير أنا الموضوع بدوري وأسأله: "طيب.. وهيثم؟"، يضحك وفرح الدنيا يلمع في عينيه قائلاً: "أجمل شئ في الحياة.. هو النسخة المعدلة مني.. العيال طالعة جميلة من غير عُقّد ولا مشاكل.. إحنا كنا بنلعب صلّح وبِلي.. لكن هم بيلعبوا بالكمبيوتر ويتكلموا في الإنترنت.. شئ جميل ومبهج"، وبالطبع لم يكن يخطر على بال أحد منا وقتها أن هيثم سيجرب رحلة أبيه مع القلق والاكتئاب والوحدة.
دائماً ما كنت أرى في أحمد زكي تجسيدا لبيت شعر قاله أبو الطيب المتنبي عن نفسه: "على قلقٍ كأن الريح تحتي.. أوجهها جنوبا أوشمالا"، قلت لأحمد زكي مرة: "هذا البيت يا أستاذ يلخص حياتك ويصف شخصيتك"، لم ينبسط عندما قلت له ذلك، وقال لي منفعلاً: "وأنا مالي بالمتنبي، أنا راجل طبيعي، اللي بيحصل في العالم هو اللي مش طبيعي، لما أنا ألاقي الكذب حواليا في كل حتة مش لازم أزعل، لما ألاقي النفاق والضرب في الظهر، وعدم تقدير الموهبة وناس بتاخد أكتر من حقها لمجرد أن لها علاقات مش لازم أزعل وأتضايق وأقلق مش لإني مخلوق على قلق ولكن لإن في أسباب للقلق ده، صح ولا لأ". قلت له: صح، لكنني تمسكت بتوصيفي وكتبته في مقدمة الحوار الذي أجريته معه خلال تصويره لفيلم (أرض الخوف) مع المبدع داوود عبد السيد ونشرته في مجلة (صباح الخير). فقال لي أحمد زكي بعد النشر: "برضه كتبت اللي في دماغك". وقلت له: "معلهش سيبني أحبك على هوايا". والآن أدرك بعد تأمل كم كان محقاً في كلامه، وأن أحمد زكي لم يكن لاسعاً أو استثنائيا أو غير طبيعي كما كان الكثيرون يميلون إلى توصيفه، بالعكس كان طبيعياً ومثالياً وإنساناً على فطرته، لم تلوثه النجومية أو الشهرة ولم تفسده المادة، وكان يتمنى أو يتصور أن كل من حوله يجب أن يكونوا مثله، وكان هذا من أهم أسباب معاناته.
ذات مرة تألم مما قاله له أحد أصدقائه من الكتاب: " انت زي عبد الحليم حافظ ما بتبقاش صادق إلا لما تمثل، وهو ما كانش بيبقى صادق إلا وهو بيغني زي ما قال عنه كامل الشناوي". وقد كان له حق في ألمه، فأشهد الله أنه لم يكن كذلك أبداً، بالعكس لقد عرفت نجوما كثيرين تنطبق عليهم مقولة كامل الشناوي، لكن أحمد زكي كان حريصا على أن يكون مقلاً في تواصله الاجتماعي مع الآخرين، لأنه كان يعترف بأنه "فاشل بجدارة في المجاملة"، ولذلك لم يكن نجم مجتمع، لا يحب الزحام ولا عدسات المصورين ولاأحضان المجاملة، يفضل قعدة أصدقاء مقفولة على زحمة فرح أو عيد ميلاد أو عرض خاص.
كان عندما يحس أنه أخطأ في حق أحد تعرفه يقضي ساعات طويلة لكي يحكي لك تاريخه مع هذا الشخص، ويسألك كل شوية "أبقي أنا غلطان كده"، كأن خلافه مع ذلك الشخص يؤرق حياته، حضرت خلافات له مع اثنين من الكتاب الذين شاركا في كتابة سيناريو فيلم السادات، وبرغم أني لم أكن طرفاً مباشراً في تلك الخلافات، لكنه كان يعلم صداقتي لهما، وكان يتصل بي لكي يحكي لي تفاصيل ماحدث بينهما لأكثر من مرة، وعندما أقول له أحياناً: "مانا عارف يا عمنا انت حكيت لي اللي حصل"، فلا يتوقف ويقول لي: "طيب اسمع بس الحكاية دي هاقولها لك لأول مرة"، ويحكي حكاية قالها لي من قبل، ثم يسألني "أبقى أنا غلطت بذمتك"، كان يصعب عليّ كثيرا وقتها، لكنني كنت أزداد له حبا وأشعر كم هو إنسان مسكون بالخير والجمال، لدرجة أنه لا يتصور خسارة اثنين كان يحبهما، وبرغم ضراوة الخلاف نفسه ومُنى عينه أن يصطلح معهما في أقرب فرصة ممكنة.
أحياناً كان يتنبه إلى تفصيلة أنه حكي هذه الحكاية أكثر من مرة، حين يلاحظ تعبيراً ظهر علي وجهي وأنا أستمع إليه، مرة قال لي وكنت في صحبة الأستاذ الصديق محمود سعد في مكتبه بجاردن سيتي: "أنا عارف إني حكيت لكو الحكاية دي كذا مرة قبل كده، بس أنا باحكيها لكو تاني عشان تفتكروها، أصل أنا بكره لما أموت هتبقوا لسه عايشين وهيبقى ليكو برامج في التلفزيون من بتاعة ذكريات النجوم، إنت هتبقى زي عم حسن إمام عمر وإنت هتبقى زي عمك عبد الله أحمد عبد الله، وهتطلع تقول وكان أحمد زكي سنة 1998 معايا في مطعم كذا وقال لي كذا"، ثم بدأ في تقليد الواقعة التي حكاها مرة بطريقة حسن إمام عمر، ومرة بطريقة عبد الله أحمد عبد الله، وكنا نموت من الضحك أنا ومحمود سعد، فيشعر بسعادة شديدة ويواصل التألق في الحكي والتشخيص، فقد كان يعشق إسعاد الآخرين ورؤيتهم يضحكون، وبعد أن تعب قليلاً من التقليد جلس وقال ضاحكاً: "هتكسبوا كتير من ورايا في البرامج دي يا ولاد الذين، بس ابقوا افتكروني بالخير"، ولم يكن أحدنا يتخيل يومها أنه سيرحل مبكراً، وأن ذلك الجسد المشتعل طاقة وبهجة وحيوية وحزناً وفناً سيهزمه المرض ويرحل تاركاً لنا كل هذا الحزن على فراقه.
...
(نشرت هذه السطور في مجلة (الكواكب) بعد رحيل أحمد زكي مباشرة، وقد استعنت فيها بمقتطفات من الحوارات التي أجريتها معه في عدد من الصحف والمجلات، والتي سأعيد بإذن الله نشرها كاملة في هذه المدونة مصحوبة بذكرياتي معه، رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته).