بروباغندا السوشيال ميديا: من يسيطر عليك؟
أعرني عقلك لحظة، وافتح عينيك على عالمٍ لم تعد الحقيقة فيه نصًّا مكتوبًا، بل أصبحت شاشة تومض بما يريده غيرك أن ترى.
نحن نعيش في زمنٍ تحكمه الخوارزميات، حيث تقود أصابع خفيّة حياتنا من دون أن ندرك. تلك الخوارزميات ليست مجرّد أكواد صمّاء، بل هي سلاسل رياضية تتحكّم في تفاعلاتنا، تصنع ترنداتنا، وتقرّر ما يجب أن نعرفه وما يُحجب عنا. نحن لسنا مستخدمين للتكنولوجيا كما نعتقد، بل نحن البضاعة التي تُباع كلّ يومٍ لمزاداتِ المعلنين والسياسيين والجيوش الإلكترونية التي تُدير من خلف الشاشات حربًا ناعمة لا تُسفك فيها دماء، لكنّها تقتلع العقول.
منصّات التواصل.. ساحات معارك خفية
عندما تتصفّح تطبيقات مثل إكس (تويتر سابقًا)، وتيك توك، وإنستغرام، هل تساءلت يومًا: لماذا يظهر لك محتوى معيّن دون غيره؟ لماذا تبدو بعض الأخبار وكأنّها تلاحقك، حتى لو لم تهتم بها؟ الإجابة تكمن في الخوارزميات التي تقرأ كلّ نقرةٍ وكلّ تعليقٍ، لتبني ملفًّا سريًا عنك، ملفًّا يعرفك أكثر ممّا تعرف نفسك.
نعيش في زمنٍ تحكمه الخوارزميات، حيث تقود أصابع خفيّة حياتنا من دون أن ندرك
إنّها ليست مصادفة أن تجد مقاطع فيديو معيّنة على تيك توك تصبح "ترندًا" عالميًّا في ساعات، أو أن تسيطر وسمات (هاشتاغات) محدّدة على منصّة إكس في أوقاتٍ حسّاسة. في لحظة الأزمات السياسية، تصبح وسائل التواصل الاجتماعي سلاحًا فتّاكًا، يديره خبراء في التلاعب النفسي والتأثير الجماعي. ووسط هذا الضجيج الرقمي، نحن كالجماهير في مسرح كبير، نؤدّي أدوارًا كُتبت لنا من دون علمنا.
حرب من دون بنادق.. وأبطالها مجهولون
تاريخيًّا، كانت الحروب تُخاض بالسيوف والمدافع، لكن الحروب الحديثة تُخاض بالكلمات والصور، وأحيانًا بلقطةٍ مدتها خمس ثوانٍ على تيك توك قادرة على إشعال ثورة أو إخمادها.
خلال الأزمات العالمية الأخيرة، أظهرت الحكومات والجماعات السياسية براعة مذهلة في تحويل وسائل التواصل الاجتماعي إلى جبهاتِ قتال. إنهم يطلقون جيوشًا من الحسابات المزيّفة التي تُغرق المنصّات بسيلٍ من المعلومات المُفبركة، فتبدو الأكاذيب كأنّها حقيقة لا شكّ فيها.
أليس مرعبًا أن نعيش في عالم لا يمكننا فيه الوثوق بما نرى أو نسمع؟ أن نصبح في حالةٍ دائمة من الشك في كلّ ما يعرض أمامنا؟
تأمل كيف تندلع الشائعات وتنتشر بشكل فيروسي، كيف تتغيّر القصص في لحظةٍ، وكيف يتحوّل الضحايا إلى جناةٍ بمجرّد تغيير في السرد الإعلامي. هذه ليست حوادث عشوائية، بل عمليات مخطّطة يقودها محترفون في الحرب النفسية، يعملون في الظل، مستغلين ضعفنا نحن البشر نتأثر بما نراه ونسمعه مرارًا وتكرارًا.
التزييف العميق... نهاية الحقيقة المرئية
إذا كانت الخوارزميات تتحكّم في ما نقرأ، فإنّ تقنيّة التزييف العميق تُهدّد آخر حصون الحقيقة: العين. أصبحت مقاطع الفيديو والأصوات التي نعتبرها أدلة دامغة على الوقائع أدوات في يد من يريد خلق واقع مزيّف.
يمكن اليوم تزوير خطاب لرئيس دولة يدعو فيه إلى الحرب، أو تصنيع اعترافات لشخصيات معارضة، أو حتى إنتاج فضائح تُدمّر سمعة شخصيات عامة في ساعات معدودة. كلُّ هذا يحدث بكبسة زر، وبجودة لا يمكن كشفها إلا بتقنيات معقدة.
أليس مرعبًا أن نعيش في عالم لا يمكننا فيه الوثوق بما نرى أو نسمع؟ أن نصبح في حالةٍ دائمة من الشك في كلّ ما يعرض أمامنا؟
خيار أم قدر؟
قد يظنّ البعض أنّ الحل هو ببساطة الابتعاد عن هذه المنصّات، لكن الحقيقة أنّها أصبحت جزءًا لا يتجزّأ من الحياة الحديثة. العمل، العلاقات، الأخبار، حتى الترفيه... كلّ شيء أصبح مرهونًا بها.
عمليات مخطّطة يقودها محترفون في الحرب النفسية
لكن السؤال الأخطر هو: من يتحكّم في هذه الخوارزميات؟ من يقرّر ما نراه وما يُخفى عنا؟ إنّها شركات عملاقة تملك ثروات تفوق ميزانيات دول بأكملها. شركات تُدار بمبدأ واحد: الربح بأيّ ثمن، حتى لو كان الثمن هو تدمير المجتمعات، وتأجيج الصراعات، وتشويه الحقيقة.
النهاية التي نخشى تصورها
إذا لم ندرك خطورة ما يحدث، فإنّ المستقبل لن يكون مجرّد تطور تكنولوجي بريء، بل قد يتحوّل إلى عالمٍ تحكمه الخوارزميات بالكامل، حيث تصبح العقول مستعمرة من قِبل أنظمة لا نراها ولا نفهمها، أنظمة لا تعرف الرحمة ولا الخطأ، أنظمة ترى البشر مجرّد أرقام في قاعدةِ بياناتٍ عملاقة.
فهل نصبح أدوات دعاية من دون أن ندري؟ أم أنّ الوقت قد حان لنفتح أعيننا قبل أن نجد أنفسنا في عالم حيث الحرية ليست سوى وهم جميل تبيعه لنا الشركات العملاقة في صيغة "محتوى مقترح"؟
أعرني عقلك للحظة، واسأل نفسك: هل أنت متحكّم في حياتك الرقمية، أم أنك مجرّد ترس صغير في آلة دعائية لا تعرف التوقّف؟