باسم يوسف ورحمة زين.. رهان المركز والهامش
قبل أيام، حضرت ندوة تُناقش القضية الفلسطينية، تركز الحديث (وهذا من نافلة القول)، على أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وما تلاها من أفعال للاحتلال الإسرائيلي، ترقى إلى جرائم حرب. والحال هذه، تحدّث عدد من المهتمين، أرهفت السمع لأغلب ما قيل، قُدِّمت مجموعة من التوصيات التي بمُكنة كلّ أحد أن يطبّقها، من بينها الدعاء والتبرّع بالمال والوقت للتعريف بالقضية الفلسطينية، بعيداً عن الرّهان على دور الأنظمة العربية، فكلّ ميسّر لما خلق له، والمسؤولية تقع على كاهل الأفراد والأنظمة على حدّ سواء.
لاحقاً، عاتبني بعض الحضور لأنّني لم أنبس ببنت شفة، ما دار بخلدي حينها أنّه يجب أن يتحدث أناس وأن يُنصت آخرون، فالمسألة ليست مباراة في استعراض المعلومات والأفكار، وما دامت الفكرة قد طُرحت فلا مبرّر لتكرارها ما لم تدع إلى ذلك حاجة. أغلب الحاضرين من الشباب، هذا مكسب جديد للقضية الفلسطينية، قضية لم تمت يوماً ولن تموت بتقادم الأيام، شباب يعلم مركزية القضية، ويعرف أنّ له عند المحتل ثأراً، وسيأتي يوم للقصاص، مهما بلغت التضحيات، فهذا الشباب الغضّ لن يفرّط في أرضه وعرضه.
بعد نفق الحرية تنسّم الشارع العربي رحيق الأمل، ومع 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، عادت نسائم الحرية تُلقي بظلالها، ثمّة أحداث تربط الصغير والكبير بالقضايا المركزية، بتعبير زكي نجيب محمود "لم أكن سياسيّاً في أيّ يوم، ولكن هل يمكن لأي مواطن أن يُفلت من الانفعال بما جرى ويجري على أرض الوطن؟". الحالة العامة في الشارع العربي صحيّة، مظاهرات، تبرّعات، دعاء، تحايل قدر المستطاع على خوارزميات مارك زوكربيرغ، كلّ ذلك لا بأس به، كلّ ذلك جهد المقل، على الجهة المقابلة ظهر مدافعون ومنافحون عن القضية الفلسطينية، لم يتوجّهوا بالحديث لنا، فكلنا بتعبير الخليفة المأمون "بؤبؤ هذا الأمر وابن بؤبئه"، أو بتعبير معاصر "احنا أصحاب الليلة"، لكن باسم يوسف ورحمة زين توجّها بدفّة الحديث إلى الآخر، قدّما مقاربة تفوق أداء الإعلام الرسمي العربي منذ 7 أكتوبر!
في السجالات الكبرى، يجب أن تُطوى (ولو مؤقتاً) سجالات أقلّ أهمية، لن أجادلك إن قلت في باسم يوسف ما قاله مالك في الخمر، رأيك يُحترم، لكن الموقف الحالي يقتضي أن نجيّش كلّ طاقاتنا للدفاع عن قضيتنا الأولى، وعليه فلنضع خلافاتنا جانباً ولنوحّد الجهود، ولكلّ حادث حديث.
مداخلة باسم يوسف مع الإعلامي البريطاني، بيرس مورغان، موفّقة في جوانب عدّة، منها أنّه ركزّ فيها على حجاج عقلي أكثر من اعتماده على العاطفة وحدها، توسّل بالأرقام في دحض رواية الاحتلال، استعمل المحاكاة الساخرة (الباروديا) لإيصال فكرته، فضلاً عن جوانب أخرى، كلّ ذلك كان موجّهاً للغرب، نجاح هذه الجولة (أكثر من 15 مليون مشاهدة في أقلّ من أسبوع) أغرى مورغان باستضافة باسم يوسف مرّة أخرى، لقاء آخر في الاستوديو خلال الأسبوع المقبل.
القضية الفلسطينية، قضية لم تمت يومًا ولن تموت بتقادم الأيام
الشابة رحمة زين فنّدت رواية "سي إن إن"، وعبّرت بشجاعة افتقدتها أنظمة عربية عن كذب الادعاءات الإسرائيلية والإعلام الغربي المتبني لسرديتها، من ثمّ فالحديث إلى الآخر مهم جداً، إذ يروّج الإعلام الغربي بروباغندا منحازة لموقف المحتل، تزعم أنّ إسرائيل تدافع عن نفسها، وأنّ الفلسطينيين يعتدون على الآمنين في تل أبيب وغيرها!
كثيرون في الغرب لا يعلمون عنّا شيئاً، لا مبالغة في ذلك، سأضرب لك مثالاً واحداً، هذا مرشّح للانتخابات الرئاسية الأميركية، غاري جونسون، ينافس دونالد ترامب على عرش البيت الأبيض عام 2016. يسأله مايك بارنيكل الصحافي بقناة إم إس إن بي سي: "إذا انتُخبت رئيساً للولايات المتحدة، ماذا ستفعل بشأن حلب؟". ليجيبه المرشّح الرئاسي: "وما تكون حلب؟!". مقطع الفيديو متاح على يوتيوب، يمكنك مشاهدة تفاصيله.
إجابة صاعقة، لم يسمع السيد جونسون بالأزمة السورية وبراميل المتفجرات، لم يسمع السيد جونسون ببؤرة أزمة اللاجئين السوريين! يومها، لم يكن جونسون من آحاد النّاس أو حديث عهد بعالم السياسة، قبل الترشّح للرئاسة الأميركية كان عمدة نيو مكسيكو، فما بالك من هم دونه؟ علّقت هيلاري كلينتون (منافسته) عبر تويتر (إكس لاحقاً) "يمكنك النظر في الخريطة ومعرفة أين تقع حلب".
أليس من العبث أن نقزّم دور باسم يوسف ومحمد صلاح ورحمة زين وأضرابهم؟ أليس من الضروري أن تتوحّد جهودنا ولو لمرّة واحدة في سبيل مواجهة هذا الاحتلال؟.
ليس ذلك فحسب، بعد إحراج سؤال حلب صرّح في حديث مع مارك هالبرين (من بلومبرغ) بأنه محبط تماماً من نفسه، بسبب ردّه المحرج، وأضاف: "لم أعرف قبل ذلك منطقة كولونيا في نيو مكسيكو"! يقول بارنيكل عن سؤاله: "لم يكن سؤالاً خادعاً، كان نوعاً من الأسئلة التي قد تسمعها خلال وقوفك في طابور ما بأحد المحال التجارية، هذا السؤال الذي نرغب في الإجابة عنه ونشعر بفضول المعرفة".
اليوم، قياساً على سؤال حلب، أليس من المهم أن نعرّف الآخر بقضيتنا المركزية؟ أليس من العبث أن نقزّم دور باسم يوسف ومحمد صلاح ورحمة زين وأضرابهم؟ أليس من الضروري أن تتوحّد جهودنا ولو لمرّة واحدة في سبيل مواجهة هذا الاحتلال؟
خلال كتابة هذه السطور، بدأ الاحتلال الإسرائيلي عملية اجتياح بري في غزّة، الموقف العربي الرسمي يتهادى بين الشجب والإدانة، لا جديد، التعويل الآن على الضغط العربي الشعبي، أن يصل صوتنا إلى أوروبا والدول المتقدمة، أن يسمع دعاة حقوق الإنسان بمأساة قديمة متجدّدة، أن يتضامن من كان في قلبه مثقال ذرة من إنسانية مع أصحاب الأرض، وأحد السبل لتحقيق ذلك، أن يخاطبهم الغيورون من أبناء جلدتنا، مهما كان انتماؤهم السياسي أو الحزبي.