انسحاب تكتيكي من اتحاد الكتاب

04 يناير 2019
+ الخط -
لا تزال جلستنا الحميمة التي انعقدت في بلدة الريحانية التركية أواخر سنة 2012 مستمرة. توقفنا المرة الماضية عند الشاعر المُخبر "فلان" الذي قدم لاتحاد الكتاب العرب مخطوطتين شعريتين، الواحدة منهما إذا طبعت في كتاب فسيكون حجمه 32 صفحة من الحجم الصغير.

تابع الأستاذ كمال رواية الحكاية فقال: وكان بين أعضاء المكتب التنفيذي شاعر مهم جداً اسمه "دال واو" بدا عليه الاستياء والضجر مما يقوم به الآخرون لتنسيب مُخْبِر من محافظة إدلب إلى اتحاد الكتاب بصفة شاعر. وكان يتململ، ويهم أن يقول شيئاً ثم يتراجع خائفاً من أن تنزلق منه عبارة تُفَسَّر على أنه معادٍ للقيادة الحكيمة لحافظ الأسد، ووقتها لن يخسر عضوية المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب فقط، ومعاشه التقاعدي، بل يمكن أن يخسر حياته.



وقد تأكدت له صحةُ مخاوفه عندما سأله عضو المكتب التنفيذي الذي يتعامل علناً مع المخابرات: أنت ما رأيك بهذا الموضوع أستاذ دال؟  قال لهم دال: برأيي المتواضع أنكم تشغلون أنفسكم بقضية صغيرة، وتنظرون إليها على أنها كبيرة. أنا أعرف أن بعض الرفاق البعثيين في محافظة إدلب اتصلوا ببعض الرفاق البعثيين هنا وأوصوهم خيراً بالرفيق فلان. يا أخي هذا شيء عادي، ومساعدة فلان مسألة واجبة، ولكن إذا أردتَ أن تساعد إنساناً ليس من الضروري أن تجعله شاعراً! واضح من المخطوطين اللذين أمامنا أن فلاناً المذكور لا يجهل فقط أوزان الشعر وقواعده وإيقاعاته، بل إنه يجهل الكتابة بمعناها الإملائي، ما يعني أنهما لا يصلحان للنشر وإنما لإشعال النار في المدافئ والأثافي. (وعندما لاحظ الارتياب في أعين الرفاق المخبرين حاول لفلفة الموضوع فقال) أخي، من الأخير، وظفوه في فرع الاتحاد بإدلب بصفة أمين مكتبة، موظف استعلامات، آذن.. أي شيء.. وأما إذا كنتم مصرين على جعله شاعراً فاسمحوا لي أن أنسحب من هذه الجلسة.

فلما بدأ الرفاق البعثيون، ومن بينهم بعض المخبرين يردون عليه محاولين إقناعه بأن جعله شاعراً أكثر إفادة لهذه المرحلة التاريخية من حياة أمتنا العربية، لم يعد إلى قول أي شيء، بل إنه غادر الجلسة دون أن يلتفت إلى الوراء. قال أبو زاهر: هذا الشاعر يحترم نفسه بالفعل.

قلت: أنا أوافقك، ولكن احترامه لنفسه زاد عن الحد، ذات مرة، ودفع الثمن غالياً، وسوف أحدثكم عن ذلك في وقت لاحق. وأما الآن فدعونا نكمل سيرة الشاعر المخبر الذي فعل بنا نحن أدباء محافظة إدلب الأفاعيل في ما بعد.


قال أبو الجود: ماذا فعلوا بشأنه؟
قلت: كان بين أعضاء المكتب التنفيذي واحد اسمه "ألف ألف لام"، من عظام رقبة السلطة، ولكنه يتظاهر بأنه صديق للأدباء المبتعدين عن السلطة. هذا العضو وقع في مأزق حقيقي عَبَّرَ عنه بقوله إن السيد رئيس الاتحاد يسبب لنا، على الدوام، إحراجات كبيرة، منها أنه رفض، قبل أيام، انتسابَ كاتب معروف، وكلفني أنا بالرد عليه، ولأن ذلك الكاتب المرفوض مهم، ومتميز، أنا لم أجد ذريعة أسوقها ضده سوى القول إن كتبه المطبوعة كلها تقل عن 100 صفحة، وهو الحجم الذي حددته منظمة اليونسكو للكتاب، والآن تريدوننا أن نقبل عضواً على كتابين كل منهما 32 صفحة، يعني ستجعلون الكتاب، وبالأخص المعارضين، يحكون علينا.

قاطعه العضو المسؤول عن المطبعة بقوله: يا أستاذ طول بالك. مَن الذي قال إن حجم كل ديوان 32 صفحة؟ الكتابان ما زالا مخطوطين، وأنا مستعد أن أجعل كل واحد منهما 112 صفحة، 100 صفحة منها كرمى لخاطر منظمة اليونسكو المحترمة، والـ 12 صفحة اعتبرها حبة مسك في شواربك وشوارب الطيبين أمثالك!
للحديث صلة

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...