الولد الفاشل يكافأ بالزواج
انتهت جلسة "الإمتاع والمؤانسة" السابقة بسرد "أبو الجود" حكايته مع التعليم التي انتهت بتركه المدرسة بعد أربع سنوات رسوب في الصف التاسع.. سبب الرسوب المتكرر هو أن التاسع هو صف الشهادة الإعدادية، وامتحانات الشهادات ليست سهلة، فهي تجري بإشراف وزارة التربية، وأوراق الطلاب تُصَحَّحُ في محافظة أخرى لئلا يُحَابي المعلمون طلابَهم أبناءَ بلدهم.
قال أبو الجود معلقاً على الموضوع: أنا والله العظيم لو كان مَرْكَزْ الفحصْ في دارنا، ولو كانوا المعلمين اللي بيصححوا الأوراق من عيلتنا، وإذا بيسمحوا لي أفتح الكتب اللي آخدينْ منها الأسئلة، مو ممكن إنجح.. بصراحة؟ أنا رجل مستعصي على العلم، وبيني وبين نفسي كنت مقررْ إتركْ المدرسة، لأنه حتى المقعد اللي كنت قاعد عليه حسيت إنه مو طايقني، وكنت أواقيت إسمعْ صوت المقعد عَمَّ يقلّي: حلّْ عني. روح شوف شغلة تعيش منها، وخلي شي طالب ذكي ومجتهد يقعد مكانك، بركي هالطالب المجتهد بيتعلم كلمتين يفيد حاله فيهم.
ضحك أبو زاهر وقال: واضح أنُّه أبو الجود في عنده أصول بعثية، منشان هيك هلقْ عَمَّ يعملْ لنفسه (نقدْ ذاتي)!
قال الأستاذ مجيد: كيف ما كان الوضعْ نحنا في حالة أخونا أبو الجود أمامْ مفرقْ طُرُقْ. باختصار هوي ترك المدرسة، وأبوه قرر يزوجه. من هون لازم نستأنف الحديث.
قال أبو الجود: بصراحة يا أستاذ مجيد أنا لما سمعت بقرار الزواج فرحت، وقلت لحالي إنه الطالب المجتهد منحوس، لأنه كل ما نجح بشهادة، أهله بيحطوا عينهم على الشهادة الأعلى. بياخد البكالوريا بيقولوا له: لازم تكمل جامعة. وبعد الجامعة بيحكوا بالماجستير والدكتوراه، وبكل هالفترة لازم يبقى أعزبْ.. أما الكسلان اللي متله، بدل ما أبوه يعاقبه بتلاقيه عم يحلف يمين أنه بده يزوجه!
قال أبو زاهر: المهم كيف أبوك نَفَّذْ القرارْ؟
قال أبو الجود: جاييكم بالحكي. الحقيقة إنه قرارات أبوي -الله يرحمه- كانت متل قرارات الأمم المتحدة اللي عم تطلعْ منشان سورية. بعدما يجتمع مجلس الأمن عشر مرات وروسيا والصين بيرفعوا الفيتو شي عشرين مرة، بيطلع قرارْ، وبعدما يطلع بينحَطّْ على طَرَفْ. ولا حدا في العالم بينفذُه، ولا حدا بيكتالْ بكيلُه.
قال كمال: منفهم من هالحكي إنه الست الوالدة كانت تاخدْ فيتو ع قراراتْ الوالدْ؟
ضحك أبو الجود ضحكة طويلة وقال: الوالدة؟ والله لو كانت والدتي عضوة في الأمم المتحدة كان الفَرَّاشْ الخاص بمجلس الأمن طردها من نيويورك وقال لها إذا بتجي لهون بدي أكَسّرْ رجليكي. بتتذكروا لما قلت لكم مرة إني أنا زعلان من جدي لأنه زَوَّجْ والدتي لوالدي؟ يومها إنتوا فسرتوا الموضوع بأني زعلان لأن أمي خلفتني وسببت لي هالعيشة المبهدلة. السبب الحقيقي، يا شباب، أنه والدتي ما تركت وراها أي نوع من الرزق أو العقارات أو الأموال، واكتفت بأنها أورثتني ذَكَاءْهَا. وهاد الذكاء اللي ورثته منها بالكاد خلاني أوصل للصف التاسع وبعدين (حَرَنْ).
تساءل الأستاذ مجيد: إذا الوالدة ما أخدت فيتو على قرار الوالد، لكان ليش ما نفذه؟
قال أبو الجود: في أسباب كتيرة، أول سبب أنه في كل ضيعتنا ما في رجل واحد مستعد يزوج بنتهُ ببلاش، أو بالتسليف، أو بالقرضة. وأبي كان عايش طول عمره ع الدفاتر.
قال أبو إبراهيم: أي دفاتر؟
قال أبو الجود: كان يقترضْ من عند السمان واللحام والحلاق وبياع البرغل وبياع العدس وبياع الحنطة، وكل واحد منهم يسجل مبلغ الدين على دفتره، ولما كان يطلع موسم الأرض كان يدفع لكل واحد جزء من الدين المستحقّْ ويخلي الباقي للموسم تبع السنة اللي جاية، ولما حكى في موضوع زواجي بعدما تركت المدرسة أجا لعندنا عمي محمود وسألُه لأبي:
- يا خاي أنت شقد مخبي مصاري منشان جازة ابنك عبد المجيد؟
أنا كنت قاعد، وصار قلبي عم يفرفح، وصرت راقب يد أبوي وهيي عم تمتد لجيب جاكيته، وصار يدحشها في الجيب لتحت، وصرت أفكر أنه أبوي رجل حويط بيحسب لكل شي حسابه، وبعد كل هالبحبشة في الجيب الغميق طَلَّعْ من جيبه قطعة صوف مهترية ملفوفة على بعضها، وقال لعمي: ما معي غير الْـ لِلْ ابنْ عَمّ الماش. واللي إلهم علي مصاري بطلوا يبيعوني بالدين والاقتراض، وهددوني برفع دعاوي قضائية علي منشان يحصلوا مالهم مني.. والقصاب سحب علي السكين وقال لي إذا ما بتدفع لي الدين تبعي بدي أدبحك. وضرب لي متل وقال لي: اللي أخد مالك خود روحه!
في هذه اللحظة كانت أنظار أبو الجود متعلقة بالباب حيث دخل شاب يحمل صينية العشاء، فاتخذ من شهرزاد قدوة وسكت عن الكلام المباح.