"النصاب".. بطل الفيلم السياسي اللبناني
طيّر النصاب القانوني لجلسة البرلمان اللبناني الجلسة التشريعية التي كانت مقرّرة يوم الخميس 17 أغسطس/آب الحالي، والتي وضع على جدول أعمالها مشروع "الصندوق السيادي"، إلى جانب مشروع قانون "الكابيتال كونترول" الذي أثير حوله كثير من الجدل، نتيجة مقاطعة عدد من الكتل النيابية، وفي مقدمتها الكتلتان المسيحيتان الأكبر، "لبنان القوي" التابعة للتيار الوطني الحر و"لجمهورية القوية" التابعة لحزب القوات اللبنانية، بالإضافة إلى عدم حضور كتل أخرى.
تطيير الجلسة كان متوقّعاً قبل الإعلان عنها، نتيجة انعقادها في ظلّ الشغور الرئاسي الذي دخل شهره العاشر، وتعليق جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، بقرار من رئيس المجلس نبيه بري، إلى حين التوافق على اسم لرئاسة الجمهورية، ونتيجة التجاذبات السياسية، والاحتقان الموجود بين الكتل والأفرقاء السياسيين.
ويبدو من خلال المعطيات المتوافرة والظروف الراهنة، أنّ مبدأ "تعطيل النصاب" سيتصدّر المشهد العام ويحتل الحياة السياسية اللبنانية في المرحلة المقبلة، حيث تذهب القوى السياسية إلى التهديد بعدم المشاركة في الجلسات الدستورية بما فيها جلسات انتخاب الرئيس، وتعتمد الكتل النيابية بشتى انتماءاتها وتوّجهاتها على التهديد بلعبة "تطيير النصاب"، إذا لم تكن نتائج الجلسة وفق مصالحها الشخصية والخاصة.
ويبدو أنّ الكتل النيابية المعارضة، وخاصة المسيحية منها، قرّرت فيما بينها اللجوء إلى لعبة التطيير، خاصة في ظلّ انتهاء التقاطع مع التيار الوطني الحر على المرشح الرئاسي جهاد أزعور، واستئناف التيار محادثته مع "حزب الله" والحديث عن اتفاق وشيك في الملف الرئاسي على انتخاب رئيس تيار المردة الوزير السابق، سليمان فرنجية، مقابل تنفيذ عدد من الشروط التي وضعها التيار، ومنها الصندوق الائتماني وإقرار اللامركزية. ومن هنا لجأت تلك الكتل إلى التلويح بخيار تعطيل النصاب (القوات اللبنانية، الكتائب اللبنانية) إذا ما تم الذهاب إلى جلسة انتخاب رئيس للجمهورية يفرضه حزب الله وفريقه على اللبنانيين، وتعمل جاهدة على منع انعقاد جلسة كهذه تنتج فرنجية رئيساً في بعبدا.
أغلب القوى السياسية اللبنانية، لا بل معظمها، تنتهك الدستور والقانون، وتخلق أعرافاً على مقياس مصالحها الخاصة والحزبية
ولا بدّ من الإشارة والتذكير هنا أيضاً أنّ فريق "حزب الله"، ومعه التيار، انتهجا اللعبة نفسها في الجلسات السابقة لانتخاب الرئيس حيث عمد نوابهما إلى تطيير نصاب الدورة الثانية للجلسة، وغادروا قاعة البرلمان فور إعلان انتهاء الدورة الأولى، وكذلك فعلوا في العام 2014 إلى حين إتمام تسوية العام 2016 وإيصال رئيس الجمهورية السابق ميشال عون إلى سدّة الرئاسة.
وهنا، يمكننا التأكيد على أنّ أغلب القوى السياسية اللبنانية، لا بل معظمها، تنتهك الدستور والقانون، وتخلق أعرافاً على مقياس مصالحها الخاصة والحزبية، ضاربة عرض الحائط بالمصلحة الوطنية والنظام السياسي اللبناني، وبإمكاننا القول إنّ عبارة "لبنان أولاً" سقطت وتبخّرت من معجم المسؤولين في لبنان.
وبناء على ما سبق، يبدو أنّ النصاب سيكون بطل الفيلم السياسي اللبناني في المرحلة المقبلة، إلى حين إنضاج تسوية إقليمية دولية ما تُثمر حلولاً للأزمات اللبنانية، وفي مقدمها استحقاق الانتخاب الرئاسي، وترسلها إلى المسؤولين اللبنانيين من أجل تنفيذها وتطبيقها فقط.