المغرب وموريتانيا: مفتاح لاستقرار غرب أفريقيا

05 يناير 2025
+ الخط -

أخيرًا تعود العلاقات بين الجارين المغرب وموريتانيا إلى وضعها الطبيعي وعلى أعلى مستويات القيادة، فقد حلّ الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني بالرباط في زيارة وُصفت رسميًّا من الديوان الرئاسي بـ"الخاصة"، وتم تخصيص استقبال يليق بمكانته في القصر الملكي واجتماع خاص مع الملك محمد السادس، رغم الظروف الصحية للعاهل المغربي بعد إجراء عملية جراحية مؤخرًا.

وتظهر ظروف الزيارة مدى التقارب الإنساني بين شعبي ونظامي البلدين، فالرئيس ولد الغزواني بدوره يعود خلال الزيارة حرمه الدكتورة مريم الداه، التي أجرت عملية جراحية في المستشفى العسكري بالرباط.

هذا المشترك الإنساني، الذي يمكن وصفه بكل ثقة بالعائلي كذلك، لم يمنع الزعيمين من وضع ملفات حساسة على الطاولة ومناقشتها اعتبارًا للتطورات الإقليمية والدولية الطارئة، والتي تفرض على البلدين سبيلًا واحدًا لإدارة العلاقات، وهو التعاون والتكامل.

وبخصوص ملف الصحراء، باعتباره المنطلق والأساس، فإن التحولات الأخيرة تفرض على الرئيس ولد الغزواني أن يخرج من وضع الحياد السلبي المريح الذي ورثه عن الرؤساء السابقين.

حاليًا، فإن الصرامة الملكية في التعامل مع القضية الوطنية الأولى للمغاربة، تدعو النظام الموريتاني إلى أن يحذو حذو كبار قادة العالم الذين اعترفوا بشكل قاطع بأنه لا مستقبل لإقليم الصحراء إلا تحت السيادة المغربية؛ على رأسهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، وقبلهما الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في انتظار التحاق دول مؤثرة في الخريطة العالمية لتبني نفس الإطار السياسي لهذا الصراع، والمتمثل في مقترح الحكم الذاتي باعتباره الحل الوحيد الممكن والمقبول.

والواقع أن المصلحة الموريتانية تقتضي تبني هذا الحل بل دعمه سياسيًّا وعسكريًّا، باعتباره الأمثل لسيادتها ونمائها، إذ إن استقرار الأقاليم الجنوبية للمغرب مع مسار تنميتها الشامل الذي انطلق منذ المسيرة الخضراء من شأنه أن يوفر لأبناء العمومة في موريتانيا بنية اقتصادية مهمة بموانئ عالمية واتفاقات تجارة ومناطق حرة، وحتى الموارد البشرية المؤهلة ورؤوس الأموال اللازمة للإقلاع الاقتصادي الذي من شأنه تحقيق الرخاء الاقتصادي لشعبي البلدين، وذلك مطلوب وهدف كل سياسي ناجح.

كما أن حل نزاع الصحراء سيضمن استقرار المنطقة الساحلية الأطلسية في أفريقيا، وهو ما يرفع من حظوظ المشروع الاستراتيجي المغربي النيجيري المتمثل في أنبوب الغاز الضخم الذي يمر عبر 13 دولة على ساحل المحيط الأطلسي ويشمل ثلاث دول غير ساحلية، وسيكون له أثر إيجابي مباشر على أكثر من 340 مليون نسمة، إذ إن جميع البلدان، وعلى رأسها موريتانيا، والتي سيعبرها الأنبوب، سيسهم الأنبوب جوهريًا في خلق الثروة بها، كما سيحدث زخمًا اقتصاديًّا حاسمًا يؤدي مباشرة إلى ظهور وتطوير مشاريع موازية، خاصة في ما يتعلق بالأمن الطاقي الذي سيشكل أبرز تحديات الإقليم خلال الفترة القريبة القادمة.

إن الوعي المغربي المتقدم بهذه التحديات الكبرى جعل الرباط تمد يدها لإخوانها جنوبًا في الصحراء بمبادرة الملك محمد السادس الأطلسية الكبرى، وكذلك بمشروع أنبوب الغاز، الذي سيساهم في ظهور منطقة شمال غرب إفريقيا المتكاملة، وتسريع وصولها إلى الطاقة النظيفة، وكذلك تسريع عملية الكهربة الشاملة لفائدة السكان، والمساهمة في التنمية الصناعية والاقتصادية لجميع البلدان التي يعبرها هذا الخط، عبر تطوير العديد من القطاعات، مثل الفلاحة والصناعة والتعدين، فضلاً عن تصدير الغاز نحو أوروبا.

الشراكة والتعاون بدل الابتزاز والاصطفاف تحقيق السيادة في مجال الأمن الطاقي كما تتطلع إليه الرباط يمنح موريتانيا وباقي الشركاء في غرب أفريقيا فرصة نادرة للخروج من ابتزاز الشركاء في هذا المجال، وقد أظهرت التحركات الأخيرة للجزائر ربطها الواضح بين تنفيذ رغباتها وبين توزيع ثرواتها النفطية والغازية الهائلة، والتي بدل أن تكون نعمة على كل المنطقة، تحولت إلى عامل تقسيم وتهديد لاستقرار دول المنطقة، وفق تفسيرات كثيرة.

ولا تخرج موريتانيا عن هذا الإطار الذي يرسمه قصر المرادية في تعامله مع الآخرين. نتذكر هنا مشروع الطريق الصحراوي، ومعه ما تسمى المنطقة التجارية الحرة، والتي كان هدفها الواضح استمالة الرئيس ولد الغزواني لحضور قمة الجزائر التي جمعت رئيس تونس قيس سعيد ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، وذلك بغرض إعلان اتحاد مغاربي هجين يقصي المغرب ويحاصره في محيطه الإقليمي الحيوي.

وحين تفكر الرباط بمنطق الشراكة والفائدة المشتركة في سياستها الخارجية، فإن الجزائر لا تزال حبيسة سياسات الحرب الباردة التي تقوم على الاصطفافات والتقسيمات، وهو ما وعته النخب الموريتانية والأفريقية عامة، وتسعى لتجاوزه رغم الضغوطات والتحديات التي ليست هينة ولا سهلة بأي حال من الأحوال.

ومن بين أهم تحديات المرحلة ضمان استتباب الأمن ومحاربة الجماعات الإرهابية، بما فيها الانفصالية. وتظهر تحركات القوات المسلحة المغربية مدى حزمها وعزمها على تحقيق هذا الأمر، وهو ما تجلى في عملية تحرير معبر الكركرات، الذي أصبح خط السير فيه آمنًا مضمونًا من أوروبا وحتى عمق الغرب الأفريقي، مرورًا بالمحطة الموريتانية الأساسية.

وتحتاج منطقة الغرب الأفريقي عمومًا إلى عزم كهذا، فواقع الحال يشي بمجموعة من الاختلالات والخروقات، لعل أولها انتهاك السيادة الموريتانية المتواصل من عناصر مجموعة فاغنر على الحدود مع مالي، هذه الدولة التي بدورها لم تنعم لحد اليوم بالاستقرار والأمن وعرضة لتهديدات التنظيمات الجهادية، سواء القاعدة أو داعش في الجنوب والوسط، ولتهديدات فصائل أزواد الانفصالية شمالًا على الحدود الجزائرية، بعد فشل اتفاق الجزائر الموقع في 2015.

يزيد من تعقيد الوضع، مطالب الأنظمة والشعوب في المنطقة بمراجعة العلاقات والاتفاقيات مع المستعمر الفرنسي الذي لم يعرف طوال السنوات الماضية كيف يحافظ على علاقات شراكة وتعاون مع سكان المنطقة، بدل التعامل معهم باستعلاء واستغلال الثروات ودعم الأنظمة الفاسدة التي كانت سببًا أساسًا في الهشاشة الأمنية والسياسية التي وصلت إليها المنطقة اليوم.

إذن، فزيارة الرئيس الموريتاني، رغم طابعها الإنساني الخاص، إلا أنها تفتح الباب أمام فرصة تاريخية للتعاون الشامل بين دول المنطقة، وفق منطق جديد يراعي التحولات الإقليمية وتغيرات ميزان القوى، وجبهات الحروب المفتوحة، ويمنح حتى باريس فرصة تصحيح وضعها وعلاقاتها مع شعوب المنطقة في إطار محور متوازن يسد الباب أمام شراكات صينية، روسية، إيرانية... من نوع آخر تزيد من تأزيم الأوضاع وتكريس الظلم التاريخي الذي عاشته شعوب المنطقة.

سامي المدوني
سامي المودني
الرئيس المؤسس للمنتدى المغربي للصحافيين الشباب ورئيس تحرير بقناة ميدي 1 تيفي الإخبارية. أنجز عددا من التحقيقات الاستقصائية والأفلام الوثائقية. حائز على جائزة دبي للصحافة العربية سنة 2014. يهتم بمجال حقوق الإنسان وبحقل الحريات المدنية والسياسية.