المعارضة السورية... تستيقظ أخيراً

03 فبراير 2020
+ الخط -
بقدرة قادر استيقظت المعارضة السورية، وراحت تضجّ على "تويتر" و"فيسبوك" دون توقف. لم تستيقظ غضباً لما يحصل لأبناء إدلب وريف حلب أمام إجرام الأسد وأصدقائه، وبالطبع لم تستيقظ تململاً من السياسة الفوضوية التي ينتهجها الضامن التركي في التعامل مع الملف السوري. بل استيقظت غضباً لحادثة اعتقال مجدي نعمة أو إسلام علوش بحسب اسمه الثاني، القيادي والمتحدث السابق باسم جيش الإسلام، والباحث ونائب الرئيس في مركز طوران التركي للدراسات، الذي لن تجد في رصيده أية ورقة بحثية.

رؤساء ائتلاف سابقون ومعارضون بارزون وقيادات عسكرية انتفضت كلها لتدافع عن مجدي نعمة/ إسلام علوش الذي قامت فرنسا "دولة الاحتلال والقضاء غير النزيه" كما يرى السيد معاذ الخطيب، باعتقاله ظلماً وعدواناً، بعدما رأى هو ذاته في مذكرة توقيف رجالات النظام الأمنيين جميل الحسن وعلي مملوك التي أصدرتها السلطات الفرنسية أيضاً في نوفمبر 2018 عدالة و"لا يموت حق وراءه مطالب"!

وراح الغاضبون يتفننون بارتكاب المغالطات القصدية ضد فريق المحامين السوريين الذين كانوا سبباً في اعتقال مجدي، لتتكشف الأقنعة وتظهر الوجوه الطائفية. فالمحامي فلان "مسيحي حاقد"، والآخر "نصيري مجرم"، والثالث "شيوعي كافر" وفلان "عميل" وفلان "خائن" وفلان "خلايا نائمة" وفلان "عدو للثورة".


وهكذا، بعد أن اختطفت معارضتنا قيادة الثورة تنطلق اليوم في مهمة أخطر تتمثل بمهاجمة القواعد الثورية واتهامها باللاثورية!

والسؤال: ما هي الجريمة التي ارتكبها من بقي من ناشطي الثورة وإعلامييها حتى يطاولهم كل هذا الغضب؟

ببساطة، عبّر هؤلاء عن ارتياحهم لاعتقال مجدي نعمة، الذي لم يتبرأ من جرائم جيش الإسلام بحق أبناء الثورة ولم يستنكرها يوماً. ومن المؤكد أن مجدي سيحصل على محاكمة عادلة يتمكن من خلالها من الدفاع عن نفسه وهو مرتاح جسدياً في مكان توقيفه، بعكس مئات من شباب الثورة وناشطيها ممن اعتقلهم جيشه في الغوطة في سجون التوبة والكهف والباطون والسفينة والبوق وغيرها، ولم يجدوا من يستمع إليهم، وسعيد الحظ منهم مات مبكراً قبل أن تطول رحلة عذابه سنوات عدة، انتهت بذهوله وهو يرى جنود النظام - الذي ثار عليه - وهم يفتحون له باب الزنزانة التي أغلقها عليه "ابن ثورته"!

لم يسمع معارضونا بكل هؤلاء، ولم تصل إليهم توسلاتهم واستجداءاتهم وصرخاتهم في جلسات التعذيب، ولم يتحركوا لإيقاف قمع جيش الإسلام وتجبّره على المدنيين ولم يستنكروه. بل حاول بعضهم أن يجعل ارتياحنا لعملية الاعتقال تشفياً وانتقاماً لاختفاء رزان زيتونة ورفاقها، الذين تشير الدلائل إلى تورط جيش الإسلام في اختفائهم.

لا يا سادة، ارتياحنا لهذا الاعتقال ليس من أجل رزان وحدها أو من أجل رفاقها وحدهم، بل من أجل كل النشطاء الذين اعتقلهم وعذبهم وقتلهم وهجّرهم جيش الإسلام، ومن أجل كل المعارك البينية بينه وبين الفصائل الأخرى في الغوطة، التي راح ضحية واحدة منها فقط مع فيلق الرحمن 800 ضحية!

ومن أجل القذائف التي كانت تنال من المدنيين في دمشق بحجة مهاجمة النظام ورئيسه الجاثم "كالعين المقلوعة" فوق قاسيون، ومن أجل المدنيين الذين خسروا بيوتهم في الغوطة، فيما كان أبطالكم يحزمون أمتعتهم وثرواتهم ليصعدوا في الباصات الخضراء إلى ساحة نضالهم الجديدة في الشمال، ومن أجل أسباب لا تدركها حنكتكم السياسية الفذة، التي ضيعت تعاطف الأصدقاء والحلفاء وجعلتنا أداة لتصفية الحسابات واللعب بيد اللاعبين الإقليميين والدوليين.

والأعجب من كل ذلك، أن هؤلاء المعارضين أنفسهم الذين لم يسمعوا وجع شعبهم يوماً، يعرفون جيداً أن فرنسا دولة احتلال، وأميركا شيطان أكبر، وبريطانيا ثالثة الأثافي، وبعد ذلك يخرجون علينا بدهائهم السياسي المعهود ليتحدثوا عن خذلان المجتمع الدولي لشعبنا، هل أخطأنا في فهمهم منذ البداية وكان قصدهم بالمجتمع الدولي دول أفريقيا وأميركا الجنوبية؟ أم كان قصدهم روسيا وإيران؟ وكيف رأى السيد معاذ الخطيب قوات الاحتلال الفرنسي شرقي الفرات ولم يرَ قوات الضامن التركي غربي الفرات؟ وهل يفضل السيد معاذ الذي يرى أن القضاء الفرنسي غير نزيه، أن ننقل محاكمة مجدي نعمة إلى سجن التوبة التابع لجيش الإسلام، أم سجن العقاب التابع لجبهة النصرة ليحظى بمحاكمة عادلة؟

ما يحدث اليوم يميط اللثام عن مشكلة عتيقة في الثورة، مشكلة الصدام بين المجتمع المدني والنشطاء وبين القيادات العسكرية والمعارضة السياسية. إذ أدرك العسكري مبكراً أنه دون ممثل سياسي سيكون ناقصاً، وعرف المعارض أنه دون وجود في الداخل الذي لا يعرف عنه شيئاً سيكون ناقصاً أيضاً، وهكذا جرى الزواج المصلحي بين المعارضة والفصائل العسكرية، وبالطريقة نفسها وجد الاثنان مصلحتهما المشتركة ضد النشطاء المدنيين ممثلي الثورة، فهؤلاء يعرفون جيداً لماذا قامت الثورة وماذا تريد وأين ينبغي أن تصل. يعرفون أن الثورة لم تقم رغبةً في الحصول على كرسي، ولم تقم رغبةً في تقاسم المكاسب أو الثروات، ولم تقم لاضطهاد الناس، ولم تقم للجلوس مع النظام إلى طاولة المفاوضات، ولم تقم لتوقيع الاتفاقيات، وبالطبع لم تقم أصلاً للذهاب إلى موسكو!

وهنا لا بد من سؤال السيد خالد خوجة أو السيد ألبتكين هوجا أوغلو، بحسب اسمه الثاني هو الآخر، من هم "المرتزقون على حساب الثورة" سيد ألبتكين الذين وصفتهم؟ الذين وقّعوا واجتمعوا مع الروس وسلموا مناطقهم للنظام وأفنوا شباب الثورة بمعاركهم البينية، أم النشطاء أصحاب "دكاكين" المجتمع المدني؟

ما يفعله المعارضون السوريون اليوم ليس جديداً، ولكنه الأخطر. معاداة المجتمع المدني للثورة وإظهاره بمظهر الخائن والعميل هو تماماً ما فعلته التنظيمات الإسلامية المتطرفة، هي تماماً ذات الحجة التي استعملتها داعش وجبهة النصرة لقمع الحراك الثوري وتدميره، واليوم يكرر هؤلاء بقصدية أو بغباء إذا أحسنا الظن، الحجج ذاتها.

"دكاكين" المجتمع المدني التي يهاجمها هؤلاء، هي ذاتها الخطة باء لديهم، فعندما يخرجون من مناصبهم، أو تنتفي الحاجة إليهم ويطردهم مشغلوهم، تراهم يفتتحون "دكانة" مجتمع مدني ويصبحون فجأة باحثين وخبراء في حقوق المرأة والطفل والعدالة الانتقالية والديموقراطية والحركات الإرهابية، وبالطبع الحرية!

نحن نخسر اليوم بالتأكيد، والثورة تمر بوضع لا تحسد عليه، ولعلها تدخل مرحلة سبات مستقبلاً، ولكن الأخطر من كل ذلك تأبيد هذه العصبة التي كانت مراهقات رؤوسها سبباً مباشراً في كل هذه الهزائم، بوصفهم أوصياء على الثورة والمعارضة والمجتمع والمصالح الوطنية. الأخطر تحويل هؤلاء إلى ضيوف ومفكرين وباحثين، مع تجاهل مقصود لدماء أبناء الثورة التي تسيل عن أيديهم، ويخوضون بها حتى الركب!