25 ديسمبر 2023
المصالحة... هذه إهانة لذكائنا
"لا تقل إنك بريء، فهذه إهانة لذكائي". هكذا تحدّث مايكل كورليون، في فيلم "العرّاب"، مخاطباً زوج أخته الذي كُشفت خيانته للأسرة، وظل الأخير مصراً على استغباء "العرّاب الجديد" أو استعطافه، مراهناً على قلة تجربته، وعلى نقاوته، حيث كان لوقت قريب بعيداً عن شؤون الأسرة.
تبدو هذه الحكاية شبيهة بحكاية تمرير قانون المصالحة في تونس، طرفاها الجزء الرئيسي من الطبقة السياسية التي صعدت بعد 2011، والجزء النشيط في الشعب التونسي، والذي ظهر كفاعل حقيقي في المشهد السياسي في السنوات الأخيرة فقط، بفضل الثورة.
لا يحظى قانون المصالحة بشعبية، ورغم ذلك حظي بتصويت أغلبيّ في البرلمان، إذ يكفي أن تتفق الكتل الكبيرة حتى يمرّ قانون إلى التطبيق، وبالتالي يتحوّل المتورّطون من صفتهم هذه إلى أبرياء، فماذا يمكن أن يكون ذلك غير مراهنة على قلة تجربة الفئات الشعبية المحتجّة وعلى نقاوتها، وها قد فُتح لها المجال لتنظيم المسيرات، وفي الوقت نفسه جرى التعتيم عليها إعلامياً، لتسير "الأمور السياسية" بسلاسة فوق سطح الماء.
ليس قانون المصالحة الذي تمّ تمريره سوى خطوة أولى في مسار من المصالحات، لو ذهبت إلى آخرها فإنها ستطمس مطالب الثورة، بدأت من قرار بلدية مدينة تونس بمحو الرسومات التي وثّقت لاعتصامات القصبة فوق جدران ساحة الحكومة، وتريد أن تصل إلى إعادة كل شيء إلى ما كان عليه (نفس خارطة الحكم أو بتغييرات طفيفة).
تشمل هذه الخطوة البرلمانية الإداريين الذين تورّطوا في الفساد زمن النظام السابق، وهي خطوة لا تعدو أن تكون تجريبية قبل تلاحق الخطوات الأخرى، وصولاً إلى مصالحة أصحاب المسؤوليات السياسية من الدوائر الضيقة للحكم وبطانتهم في ميادين الاقتصاد والإعلام، وكأن ثمة من يراهن على استئناف كل شيء وكأن الهزة الشعبية لم تكن.
لكن ذلك سيكون بالتأكيد أكثر الخيارات إيلاماً لتونس، إذ يشبه الأمر قراراً بالرسوب في مرحلة قديمة، فقد كانت السنوات الأخيرة من حكم زين العابدين بن علي كارثية على مجمل القطاعات مع تهافت مقرّبين من دوائر القرار، من مسؤولين إلى أسرة الرئيس وأصهارها، على استدرار ثروات البلاد، ما أرهق الدولة وأضعفها أمام إملاءات الخارج وإكراهاته، من الجيران إلى المؤسسات المالية.
في هذا الوضع، سيعاني جهاز الدولة من أكثر من نزيف، ومرّة أخرى سيجد الشعب صعوبة في التنفّس، ووقتها ستكفي شرارة لإشعال حريق جديد. من يوقف هذا المسار الراجع إلى الوراء؟ وحده الإصرار على عدم القبول بإهانة الذكاء الشعبي.
تبدو هذه الحكاية شبيهة بحكاية تمرير قانون المصالحة في تونس، طرفاها الجزء الرئيسي من الطبقة السياسية التي صعدت بعد 2011، والجزء النشيط في الشعب التونسي، والذي ظهر كفاعل حقيقي في المشهد السياسي في السنوات الأخيرة فقط، بفضل الثورة.
لا يحظى قانون المصالحة بشعبية، ورغم ذلك حظي بتصويت أغلبيّ في البرلمان، إذ يكفي أن تتفق الكتل الكبيرة حتى يمرّ قانون إلى التطبيق، وبالتالي يتحوّل المتورّطون من صفتهم هذه إلى أبرياء، فماذا يمكن أن يكون ذلك غير مراهنة على قلة تجربة الفئات الشعبية المحتجّة وعلى نقاوتها، وها قد فُتح لها المجال لتنظيم المسيرات، وفي الوقت نفسه جرى التعتيم عليها إعلامياً، لتسير "الأمور السياسية" بسلاسة فوق سطح الماء.
ليس قانون المصالحة الذي تمّ تمريره سوى خطوة أولى في مسار من المصالحات، لو ذهبت إلى آخرها فإنها ستطمس مطالب الثورة، بدأت من قرار بلدية مدينة تونس بمحو الرسومات التي وثّقت لاعتصامات القصبة فوق جدران ساحة الحكومة، وتريد أن تصل إلى إعادة كل شيء إلى ما كان عليه (نفس خارطة الحكم أو بتغييرات طفيفة).
تشمل هذه الخطوة البرلمانية الإداريين الذين تورّطوا في الفساد زمن النظام السابق، وهي خطوة لا تعدو أن تكون تجريبية قبل تلاحق الخطوات الأخرى، وصولاً إلى مصالحة أصحاب المسؤوليات السياسية من الدوائر الضيقة للحكم وبطانتهم في ميادين الاقتصاد والإعلام، وكأن ثمة من يراهن على استئناف كل شيء وكأن الهزة الشعبية لم تكن.
لكن ذلك سيكون بالتأكيد أكثر الخيارات إيلاماً لتونس، إذ يشبه الأمر قراراً بالرسوب في مرحلة قديمة، فقد كانت السنوات الأخيرة من حكم زين العابدين بن علي كارثية على مجمل القطاعات مع تهافت مقرّبين من دوائر القرار، من مسؤولين إلى أسرة الرئيس وأصهارها، على استدرار ثروات البلاد، ما أرهق الدولة وأضعفها أمام إملاءات الخارج وإكراهاته، من الجيران إلى المؤسسات المالية.
في هذا الوضع، سيعاني جهاز الدولة من أكثر من نزيف، ومرّة أخرى سيجد الشعب صعوبة في التنفّس، ووقتها ستكفي شرارة لإشعال حريق جديد. من يوقف هذا المسار الراجع إلى الوراء؟ وحده الإصرار على عدم القبول بإهانة الذكاء الشعبي.