المخرج المسرحي التونسي حافظ خليفة وعبقرية صنع المحتوى
المسألة الثقافية وقضايا الإنسان المبدع في تونس في مجملها ليست مجرد ملفّات ذات طابع إداري نمطي بحت بل هي أعمق من ذلك بكثير إذا حاولنا بكل جد النظر إليها من زوايا أخرى غير تلك التي ينظر منها المواطن العادي، وعليه فإن التأسيس لحدث ما أو شيء ما لا يتم إلا متى عبرت مراحل أخرى سابقة تتبعها خطوات لاحقة تتميّز بالجرأة والمغامرة.
وهذا ما حدث بالضبط مع المخرج المسرحي التونسي حافظ خليفة الذي تميّز طيلة سنواته الأولى في إقامة أقوى وأعتى وأصعب العروض المسرحية، تلك التي يطلق عليها نقّاد الأعمال المسرحية بالملاحم.
الأستاذ حافظ خليفة رغم تكوينه الأكاديمي المتميّز وثراء تجربته المسرحية الممتدة داخل أروقة الفضاءات المسرحية الإيطالية، فإن ذلك لم يمنعه عن المراهنة على الأعمال المسرحية الكبرى التي تتميّز بالملاحم التاريخية، وهذا بالطبع ما أهّله إلى جانب دوره في الإخراج إلى كتابة السيناريوهات الملحمية ذات الطابع التاريخي والتراثي للمجتمعات المحلية التونسية كملحمة ظفائر وطن وملحمة خضراء وغيرها من الأعمال الملحمية المسرحية التي تتخذ من الفضاء الطبيعي مكاناً متميّزاً لعرضها على الجمهور بدلاً من الأماكن المغلقة المتمثلة في المسارح.
إن العقل الإبداعي متى توفرت إلى جانبه الثروة المعرفية لن يتوقف أبدا عند العروض المسرحية الصرفة بل سيتعداها نحو التأسيس والتشييد والبناء
لم يقف الأمر عند الأستاذ حافظ خليفة فقط في عرض الملاحم بل تجاوزه نحو الإبداع في الاختيار للمكان فأتّجه نحو المجتمعات البدوية الصحراوية مستغلاً بكر الأمكنة في الصحراء وعذريتها من آلام وأوجاع الضجيج المدني ذلك أن هدوءها وسكونها إضافة إلى جمالية مكوناتها الطبيعية ستساهم بشكل أفضل في عرض الملحمة وظهورها بجودة عالية لا تضاهى.
إن العقل الإبداعي متى توفرت إلى جانبه الثروة المعرفية لن يتوقف أبداً عند العروض المسرحية الصرفة بل سيتعداها نحو التأسيس والتشييد والبناء، وهذا ما أتجه إليه أخيراً حافظ خليفة حيث إن مغامرته المسرحية لم تقف عند حدود عرض الأعمال الملحمية بل اتته الفكرة بأن يشيد صرحاً ثقافياً جديداً أطلق عليه تسمية المهرجان الدولي للمسرح في الصحراء يصاحبه في ذلك مجموعة من المبدعين سواء في الإدارة أو في المجهود التقني على غرار الأستاذ حافظ الشتيوي وسعاد نصيب وراوية باني وآخرين نجحوا في التأسيس للدورة الأولى من مهرجان المسرح الصحراوي بحكم أن العروض المسرحية المحلية والوطنية والدولية كانت أكثر من ناجحة جماهيرياً وحتى فنياً.
كما أنه لا يمكن بأي حال أن نتغافل عن تواجد عدد كبير من فناني المسرح وكتبة السيناريو وأساتذة المسرح ضمن فعاليات هذه الدورة مما أعطى بشكل جلي دفعاً قوياً للمهرجان على مستوى الإعلام والإشهار على غرار الأساتذة صالح الجدي ولسعد المحواشي وصلاح مصدق ومحمد كوكا والسيدة دليلة مفتاحي والفارسة أماني عبدلاوي إضافة إلى الكاتب المسرحي الكبير عز الدين المدني وثلة أخرى من المبدعين.
إن ما يمكن تلخيصه مما سبق ذكره أن الفعل المسرحي لا مناص أن يصحبه عادة فكر مبتكر وجرأة استثنائية قد يبلغ مداها المغامرة بمستقبل كامل، وهذا ما قام به المخرج المسرحي الأستاذ حافظ خليفة حيث راهن على الفكرة في معناها المجرد كما راهن على المورد البشري الشبابي والمخضرم في تجربة لا يمكن إلا أن نقول إنها استثنائية بكل المقاييس.