المجنون فريد ابن أبو خلّو (12)
بعد التصرف الحقير الذي صدر عن الفتى المؤذي فريد وأدى إلى كسر ساق العم أبو نادر، ذهب أبو خلو، وأسرتُه للعمل في قطاف الزيتون بصحبة نادر.. وأما فريد فقد تركوه مسجوناً في غرفته، وزودوه بطعام وماء، وأقفلوا عليه الباب.
بعد ذلك حدثت أمور مثيرة..
كان عمال قطاف الزيتون يعبئون قلوب الزيتون التي قطفوها في أكياس، ويخيطون الأكياس استعداداً لنقلها إلى المعصرة، عندما وصل الشاب (حسني ابن أبو حسني ضراب الطوب) إلى حدود الكَرْم على ظهر موتوسيكله اليامَهَا، وبمجرد ما وصل ألقى السلام، واتجه نحو خليل ابن أبو خلو، سحبه جانباً وهمس له بشيء، فانزعج خليل، وطلب من حسني أن يأخذه معه، وركب وراءه وغادرا المكان، وهذا ما أوقع الجميع في حيرة واضطراب، لا سيما السيدة أم خلو التي ركضت وراءهما وهي تصيح:
- استنى خليل، وين رايح؟ ولك إبني أشو صاير معك؟ أشو في؟
أبو خلو بدوره اضطرب، ومشى مسرعاً باتجاه الدرب، فلحق به أحمد ونادر، وسألاه عن وجهته، فقال إن شيئاً خطيراً لا يدري ما هو حدث، ويجب أن يسرع بالذهاب إلى الدار. قال له نادر:
- الحق معك عمي أبو خليل، استنى شوي، خليني أشغل الطرطيرة، باخدكم معي أنت وأحمد ومنشوف أشو صاير؟
عندما وصلت الطرطيرة التي يقودها نادر ومعه أبو خلو وأحمد إلى أول الزقاق وجدوا ازدحاماً عند باب دار أبو خلو، وكان الباب مخلوعاً، وآثار أشياء محترقة مكومة في الزقاق، وبعد قليل فهموا الحكاية، وهي أن أهل الحارة والعابرين في الزقاق شاهدوا دخاناً يتصاعد من دار أبو خلو، طرقوا الباب فلم يرد عليهم أحد، فاضطروا لكسر الباب، ودخلوا، فوجدوا الأثفية مشتعلة والنار تتصاعد من طنجرة كبيرة ملأى بأشياء غير معروفة، وكان الحريق قد بدأ يمتد إلى غرفة الجلوس، واقترح أحدهم الاتصال بالإطفائية، فاعترض آخر موضحاً أن الدار موجودة في زاروب ضيق لا يتسع لسيارة الإطفاء الضخمة، وتكاثر الجيران، وهم يحملون سطول الماء، والتراب، ويرشقونها على الأماكن المحترقة حتى تم إخماد الحريق بالكامل..
همس أبو خلو لواحد من أبناء الجيران قائلاً:
- كان إبني فريد موجود في الدار، هلق ماني شايفه، طمني انشالله انحرق وخلصنا منه؟!
ابن الجيران: بعيد الشر يا عمي، الله يخلي لك ياه ويشفيه.
أبو خلو: نعم نعم. الله يشفيه. ليك إذا ربنا بيشفيه راح أحطه على راسي وعيني، أما إذا بقي عايش ومجنون راح نطفي كل يوم حريقة. وينه هلق؟ وين انقلع؟
روى له ابن الجيران أن رجال الشرطة وصلوا إلى المكان بعد إطفاء الحريق، وعندما شاهدوا فريد وقد اسودّ وجهه بالسخام، وعرفوا أنه ابن صاحب الدار أخذوه معهم، وهم ينتظرون أن يأتي صاحب الدار ليأخذوا إفادته، وليعرفوا إن كان الحريق قد حصل بفعل فاعل، أم بالقضاء والقدر.
زادت إفادة فريد في الطين بلة، وفي الطنبوري نغماً، فقد جاء في الضبط أن الدورية المؤلفة من فلان وفلان وفلان شخصت إلى مكان الحريق، ووجدت الجيران قد انتهوا من إخماده، وكان في الدار الشاب فريد الذي سئل عن ملابسات الحادثة فأجاب إنه كان في غرفته المطلة على الزقاق، والباب مقفول عليه من داخل الدار، فمر به صديقه سلمون، وصار يوبخه بسبب كسله وعقوقه لوالديه، فرد عليه فريد (شلون بتقول عني عاق ولاك سلمون الكلب؟ أنا بأيش قصرت؟)، فرد عليه سلمون بأن أهله سيأتون من الشغل متعبين، ولن يجدوا شيئاً يأكلونه، وأنه إذا كان يحب أهله يجب أن يجهز لهم طعاماً، وقال فريد ولكنني لا أستطيع الخروج، فالباب مقفول، ووقتها نط سلمون وتسلق السور، ونزل إلى الدار، فتح له وقال له: ما بقي لك حجة. لازم تطبخ لأهلك..
عندما ذهب أبو خلو إلى المخفر واطلع على إفادة ابنه فريد جن جنونه، وركض باتجاه نظارة التوقيف حيث يقف فريد بنفس الوضعية التي يقف فيها عندما يكون في سجنه المنزلي، ووجهه على الشباك المعدني، ومد أصابعه يريد أن يسدد صفعة إلى وجه فريد، وهو يسأله:
- بدي أفهم كيف بتسمح لنفسك تخلي واحد غريب يتعربش على حيطنا وينزل ع الدار؟ ومين هادا الحيوان سلمون؟ أنا ناقصني بلاوي؟
فريد: أنا، ياب، ما بعرف واحد اسمه سلمون، مين هاد سلمون؟
أبو خلو: ولاك مو أنت قايل للشرطة أنه رفيقك سلمون نصحك تطلع من الأوضة وتطبخ لأهلك؟
فريد: ياب أنا ما قلت هالحكي. بعدين أنا ما شفت سلمون من وقت ما كان عم يشتغل في المبقرة، ودخل على الزريبة تبع التيران، بوقتها التيران عملوا له قتلة من كعب الدست.
أبو خلو: أشهد أن لا إله إلا الله. ولك إبني لكان مين حرق الدار؟
فريد: ياب أنا بحكي لك القصة متلما صارت وأنت بتفهم لحالك. أنا كنت واقف ع الشباك وعم إتسلى، مر أبو حسني ضراب الطوب ولقاني واقف، سألني: وين أهلك؟ قلت له: أهلي في حواش الزيتون. قام حك راسه وقال لي: (إنت يا فريد كنت بدك تضربني كفين وكنت مشغول، أنا هلق فاضي وبدي أضربك كفين).. أنا ياب ما عجبني هالحكي، قلت له: فتح عينك متل الطبق أنا ابن أبو خلو ع سن الرمح، ما حدا بيضربني كفين، وإذا كنت أنت قبضاي تفضل جرب. وتركني وما عاد شفته، بعد شوي شميت ريحة حريقة، وأنا محبوس أشو بعمل؟ شفت رفيقي معدي ترجيته ينزل على دارنا ويفتح لي الباب لحتى أطفي الحريقة، وهادا اللي صار، فتحت باب الدار وصرت صيح حريقة، دخلوا الجيران وساعدوني لحتى طفيناها.
أبو خلو: ومين هادا رفيقك اللي دخل ع الدار وفتح لك الباب؟
فريد: هادا.. رفيقي.. ياب أنت ما بتعرفه، كان يشتغل شوفور صينية في المكتب اللي بيبيعوا فيه عقارات. اسمه سلمون. بس هادا مو سلمون اللي كتبوا اسمه في ضبط الشرطة.. واحد تاني!
(للسيرة تتمة)