القاتل عبوش يقدم نصائح لقاضي الجنايات

03 يوليو 2019
+ الخط -
أخبرَنا الأستاذ كمال في مطلع جلسة "الإمتاع والمؤانسة" أنه كان يتمشى مع زوجته عصر اليوم في شارع الاستقلال المتفرع عن ساحة تقسيم بإسطنبول، وفجأة شاهد صديقه الحبيب "أبو الجود" يتمشى في الاتجاه المعاكس..

سلم عليه بحفاوة وقال لزوجته: هادا صديقي أبو الجود اللي بحكي لك عنه. فابتسمت وكادت أن تضحك. قالت له: أهلين خاي أبو الجود. بصراحة أنا كتير معجبة بحكاياتك، بالأخص حكاية طينة البيلون اللي ضَرْبِتْها أختْنا أم الجود (لَمَّا كانتْ بنتْ) بِحِيْطْ حَمَّامْ السوق، والطينة صابتك وإنته في بيتك، وبعدين صارتْ من نصيبكْ، وتزوجتوا وصار اسمها أم الجود.

قال أبو الجود لزوجة كمال: المشكلة يا خَيّتِي إنه طينة البيلون إذا لزقتْ بالحيط بتبقى كام يوم وبعدين بتفكّ وبتوقعْ ع الأرضْ، أما "أم الجود" فصارْ إلها خمس وأربعين سنة لزقانة بخلقتي، لا بتفكَّ ولا بتوقَعْ!


ضحكنا. وتوجه أبو إبراهيم بالسؤال إلى الأستاذ كمال عن العبرة من هذه الحكاية، فقال: العبرة إنُّهْ زوجْتي كانتْ متواعدة مع رفيقتْها منشان يشتروا شوية غراض، فبقينا أنا وأبو الجود لحالنا، وأنا دَعِيْتُه على كاسْ شاي في "قهوة لافيولا".. قعدنا شوي، وعطيته شوية نصائح مهمة.
قال أبو جهاد: عَمْ تْضَيِّعْ وقتك عَ الفاضي يا أستاذ كمال. هادا أبو الجود لو كان يسمع نصيحة حدا كنت شفته هلق فوق الريح.

قال أبو محمد للأستاذ كمال: ممكن نعرف أيش هيي النصيحة تبعك؟

قال كمال: قلت له يا أبو الجود إنته لازم تغيرْ طبيعة وجودَكْ في سهرة "الإمتاع والمؤانسة". إذا بقيت سلبي وما عم تحكي للشباب حكاياتْ مسلية ممكن يتآمروا عليك ويسهروا من دونك، ولا تنسى إنك بتحضر كل يوم وبتاكل وبتشرب وبتدخن وبعمرك ما دعيتنا على بيتك. يعني إنته في المحصلة لَزْقَة، متل طينة البيلون اللي بتلزق على حيط الحمام وبعد كم يوم بتتيبس وبتفك وبتوقع ع الأرض.

قال أبو زاهر: كلام الأستاذْ كمال كتير مهم يا أبو الجود. وعلى فكرة، في ناس لو رادوا يحكوا ما بيلاقوا آذان صاغية. إنته لازم تحمد ربك لأن بضاعتك مطلوبة، وكلياتنا منحبّ نسمع أحاديثك.

قال أبو الجود: الأستاذ كمال بيعرفْ نقطة ضعفي وأنا بعرف نقطة ضعفه. هوي حالياً عم يعمل كتاب عن قصص السجن. ولما عرف إني انسجنتْ فترة بلش يلح علي منشان إحكي من هالقصص. وعلى كل حال أنا معكم ع الخط، وهلق ع الفور راح إحكي لكم عن واحد اسمه "عبوش" كان معنا في السجن ومحكوم خمس وعشرين سنة.

قال أبو بدر: أف. خمس وعشرين؟ يعني قاتل قتيل؟

قال أبو الجود: لا يا أبو بدر، إنته هيك عم تقللْ من قيمته للأخ عبوش. قتيل واحد بس؟! أي أشو هوي كان عم يلعبْ؟ وَلَّا كان عم يمزحْ؟

قال أبو زاهر: يخرب بيته. عامل مجزرة متل مجازر بيت الأسد؟ كم واحد قتل لكان؟

قال أبو الجود: هو ما بيعرف كم قتيل، ولا حدا غيره بيعرف. بتتذكروا؟ أنا مرة حكيت لكم كيف كنت عم إحكي بالتلفون مع إبني محمود، ودخل عامل المقسم ع الخط، وأنا وعامل المقسم تشاجرنا، وتحولت مشاجرتنا الثنائية لمشاجرة جماعية. هادا الأخ عبوش في يوم من الأيام كان مشترك في مشاجرة جماعية، والناس العلقانين من العيلتين كتار كتير ولذلك هوي ما بيعرف كام واحد قَتَلْ. بس على كل حال مو هون النكتة.

قال أبو جهاد: هلق هاي نكتة؟ أي تضرب إنته وصاحبك عبوش وهيك نكتة. الله وكيلك سالفة بتبكّي.

قال كمال: طول بالك أبو جهاد. خلينا نعرف تتمة القصة. أنا شخصياً كتير حبيتها.

قال أبو الجود: النكتة إنه بعد انتهاء المشاجرة اعتقلت الشرطة الأشخاص اللي ضلوا عايشين، وأخدوهم عَ سجن التوقيف (النظارة)، وقاضي الجنايات بلش بعمليات الاستجواب، وكلما انفتحتْ سيرة قتيل من العيلة التانية يستدعيه للسيد عبوش، ويسأله: هادا فلان مين قتله؟ وعبوش ذاكرته ضعيفة، لذلك كان يقله للقاضي: والله ماني متذكر.. يمكن أنا قتلته يمكن غيري قتلُه.

ومرت أكتر من سنة والشرطة يجيبوا عبوش من السجن على قاعة محكمة الجنايات ويسألوه عن القتيل فلان والقتيل علان، وهوي يحاول يتذكر، وفي كتير من الأحيان ما تسعفُه ذاكرتُه.. وبالأخير خطرتْ لُه فكرة جهنمية وقرر ينفذها في الحال.

قال كمال: وأيش بقى هالفكرة؟

قال أبو الجود: في أول وقفة قدام القاضي، وقبلما يسأله القاضي أي سؤال قال أبو عبوش: يا سيدي مرحبا. أنا حابب أقدمْ لَكْ خدمة تخليك مبسوط ومرتاح ع الآخر. أخي، كل قتيل من هديك العيلة ما عم تعرفوا مين قتلُه سَجّلُهْ عَلَيّ. وإذا في عندك مجاريح حالتُن خطرة، إذا بقوا عايشين ومنصابين بعاهات دائمة سجلُن علي، وإذا ماتوا كمان سَجّلُنْ علي. وشوف إنته من الأخير كام سنة بيصير الحكم وبلغني. قال القاضي: حكمناك خمس وعشرين سنة حبس. قال له: يحيا العدل!

وهيك ارتاح "عبوش" من الروحة على محكمة الجنايات، ومن الأسئلة والاستجواب والحكي الفاضي!
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...