الغرب وغزة... سياسة لهم، رياضة علينا
استفاق العالم يوم السبت الماضي، السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وهو غارق في الدهشة بعدما انطلقت عملية طوفان الأقصى، التي قادها الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، كتائب عز الدين القسّام. وعلى الرغم من أنّ العملية استهدفت المستوطنات على غلاف غزة، والداخل الإسرائيلي، إلا أنّها اكتسبت صدى عالمياً، لعدّة أسباب، على رأسها عامل المفاجأة الذي باغتت به المقاومة الفلسطينية دولة الاحتلال الإسرائيلي.
وعلى أثر المفاجأة، مارست كرة القدم صمتها المعتاد تجاه ما يجري في الأراضي المحتلة، بحجة ألّا مكان للسياسة في كرة القدم. ولكنه، وبعدما تكشفت لهم حقيقة الأمر، وأنّ الطرف الذي بادر بالهجوم هذه المرّة ليس المعتدي المعتاد، بدأ العالم الغربي في تفسير القانون كما يراه: لا مكان سوى لسياستنا لكرة القدم.
استفاقة شرسة
هاجم الرئيس السابق للاتحاد الإنكليزي لكرة القدم دافيد بيرنستين تأخر الاتحاد في إصدار تعليق عمّا حدث في الأيام الماضية، وعدم إظهار التعاطف مع إسرائيل بشكل كاف. تزامن هذا الهجوم مع مواقف لصحافيين، وبيانات متتالية لروابط المشجعين اليهود بالأندية الإنكليزية، تضغط وتبتز بها المجتمع الرياضي، ورموز كرة القدم على صمتهم، تجاه ما يحدث للأبرياء والعزّل في إسرائيل على حدّ وصفهم.
ستشهد المباراة الودّية بين المنتخب الانكليزي ونظيره الأسترالي، يوم الجمعة المقبل، إظهار التضامن مع الضحايا. مع العلم أنّ إظهار العلم الإسرائيلي في سماء ويمبلي، موضوع يخضع للنقاش، مع أمور أخرى على رأسها كيفية التعامل مع الهتافات المعادية لإسرائيل، والداعمة للقضية الفلسطينية. ويتخذ قادة الحملة، الموقف العام الذي تمّ اتخاذه بعد العملية الروسية، والتي اجتاح بها الروس الأراضي الأوكرانية في مطلع العام الماضي، مرجعية للموقف الذي يجب اتخاذه اليوم.
كانت المادة الخامسة من القانون الرابع لكرة القدم مثار جدل في العالم بشكل عام والمنطقة العربية خصوصاً، وذلك بعد عملية الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية في مطلع العام الماضي. لم يكن الجدل حول العملية بحدّ ذاتها بقدر ما كان مرتبطاً بتعاطي الاتحاد الدولي لكرة القدم والاتحادات القارية مع الأمر.
يسعى العالم الغربي، عبر نافذة كرة القدم، إلى توجيه دعمه للكيان الإسرائيلي، ويعاقب أو يضغط على كل من يدعم فلسطين
حظر مشاركة المنتخبات والأندية الروسية في المسابقات والبطولات أعاد للأذهان أحداثاً مشابهة، بل أشدّ قسوة وقعت ضحيتها دول المنطقة العربية والعالم الإسلامي. فعلى سبيل المثال، لم يُقدّم الاتحاد الدولي على اتخاذ أيّ إجراء ضد الولايات المتحدة الأميركية بعد غزوها العراق، بل على العكس حُرِم العراق من اللعب على أرضه لسنوات طويلة!
حتى الدب الروسي الذي تحاول اتحادات الكرة القارية والاتحاد الدولي لكرة القدم كبح جماحه الآن، كان يحظى برضاهم، بينما قواته تحصد أرواح السوريين، قبل، وأثناء، وبعد استضافة روسيا لكأس العالم 2018. لم يقف الأمر عند حدّ حظر مشاركة الأندية والمنتخبات الروسية، بل أصبح التضامن مع أوكرانيا فرض عين على منصّات البثّ التلفزيوني، حيث يظهر العلم الأوكراني وبجواره عبارة "أوقفوا الغزو"، كما في الدوري الإسباني.
يلحُّ السؤال: ما هي مقاييس دول العالم الأول، والتي تتحكّم في الاتحادات الرياضية، لتحديد ما يستحق التضامن وما لا يستحق؟ وما هو سياسي وما هو غير سياسي؟ فالاتحاد ذاته الذي عاقب لاعب إشبيلية الإسباني آنذاك فردريك كانوتيه على دعمه لفلسطين، رفع شعار "أوقفوا الغزو" في جميع المباريات والبطولات المنظمة من قبله.
التنازلات لا تأتي إلا بالمهانة
وبينما يلتزم معظم اللاعبين العرب، في الملاعب الأوروبية، الصمت تجاه ما يحدث في الأراضي المحتلة، يسعى العالم الغربي، عبر نافذة كرة القدم، إلى توجيه دعمه للكيان الاسرائيلي، في فترة التوقف الدولي، وذلك بالضغط على الاتحاد الدولي والاتحادات القارية الأخرى.
وفيما يتوانى أغلب نجومنا العرب في الملاعب الأوروبية عن دعم قضية الأمة العربية الأولى، تستخدم دوائر الضغط سلاح الإعلام في وجه جميع من يدعمون القضية الفلسطينية، كما فعلت الرابطة اليهودية لجماهير أرسنال، عندما هاجمت محمد النني لوضعه علم فلسطين في حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي. نذكّر لاعبينا في أوروبا بقول المعلّق العربي عصام الشوالي، قبيل مباراة ديربي مانشستر في الموسم الماضي: "غالطوك فقالوا السياسة والرياضة منفصلان. لا، هما وجهان لعملة واحدة".