"العربي الجديد" في عيدها العاشر... تجربة فريدة

12 سبتمبر 2024
+ الخط -

تعود علاقتي بموقع وصحيفةِ "العربي الجديد" إلى عام 2014، عندما نشرتْ لي أُولى مقالاتي في قسم المدوّنات. آنذاك، كانت فرحتي عظيمة عندما نُشر مقالي الأوّل في 16 أغسطس/ آب من ذلك العام، تحت عنوان "إنجازات المقاومة وارتداداتها"، ولهذا المقال قِصّة تعود للحرب العدوانية التي خاضها الاحتلال الإسرائيلي ضدّ غزّة، وما زلت أذكر عناوينها، فهي عملية "الجرف الصامد" بالمُسمّى الإسرائيلي و"عملية البنيان المرصوص" و"العصف المأكول"، بالمُسمّى الفلسطيني.

لا أخفي شعوري بالفخر والسعادة حينها، خصوصاً أنّ زميلاً لي في العمل تنبّأ بعدم نشر مقالي عندما عرضته عليه، ليُفاجأ مثلي بأنّه نشر، وما زلت بين الفينة والأخرى أعود إلى ذلك المقال، ليعيدَ إليّ تلك الذكرى السعيدة بأُولى مقالاتي.

لقد شكلت "العربي الجديد" منبراً للحريّة للشباب العربي، على الأقل في ما يخصّ "الموضوع الفلسطيني"، ولا أذكر أنّه رُفِض لي مقال، أو جاء الاعتراض على أيّ فكرة أو موقف بهذا الخصوص، وذلك من كلّ المقالات التي نشرتها لي الصحيفة، وهي بالعشرات، ما خلا مقالاً واحداً تعرّضت فيه "للرئيس محمود عباس"، حيث نُشر المقال بعد أن حُذِف منه ما اعتُبر ربّما، تناولاً شخصياً لشخصيّة عباس، بعيداً عن النقد السياسي، ولم أعترض.

لقد كتبتُ مقالات متعدّدة بالشأن الفلسطيني، سجّلت فيها مواقفي، وعبّرت فيها عمّا يجول في فكري، فلم أجد أيّ حاجز للتعبير عن موقفي وتوجّهي المعروف من خلال كتاباتي عمومًا.

حجزت "العربي الجديد" مكانتها رغم المنافسة الشديدة، والتوجّهات المختلفة

عندما سمعت بانطلاق صحيفة "العربي الجديد" من صديق (انطلق الموقع في ذكرى يوم الأرض 30 مارس 2014 وصدر أول عدد للصحيفة الورقية في 2 سبتمبر من السنة نفسها)، ما كنت أتوقّع أن يكون الباب مفتوحاً لنشر المقالات من غير واسطة أو معرفة، أو خبرة واسعة سابقة، فقد كان نشر المقالات، بالإضافة إلى القدرة والمهارة، بحاجة للمعارف والعلاقات، لكن مع "العربي الجديد" لم أحتج لأيّ شيءٍ من ذلك، فالمعيار هو القدرة على الكتابة والتعبير اللغوي الصحيح، والابتعاد عن التجريح الشخصي.

أغيبُ عن الصحيفة لأعودَ إليها وأجد أنّ الباب ما زال مفتوحاً، هي روتيني اليومي في متابعة آخر المستجدات للوضع الفلسطيني والعربي والدولي. لقد حجزت "العربي الجديد" بحق مكانتها رغم المنافسة الشديدة، والتوجّهات المختلفة. وبالرغم من أفول نجم الصحف الورقية، إلّا أنّ الموقع الإلكتروني للصحيفة استطاع أن يُواكب التطوّر التكنولوجي والتقني، عبر البودكاست والأخبار المنشورة في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، وخصوصاً المنشورات المُميّزة عبر منصة تليغرام كما أرى.

لقد أصبح من النادر أن تجد صحيفةً عربيّةً، لديها كلّ هذا التنوّع في الأقسام والاهتمامات، فهي صحيفة متعدّدة الاهتمامات، السياسيّة والثقافيّة، والاجتماعيّة، والإعلاميّة، وغيرها، وما زلنا نتوقع منها الكثير.

كما كان من الواضح (ولا تحتاج "العربي الجديد" لشهادتي) مواكبتها المميّزة لعمليّة طوفان الأقصى، على مختلف الصعد، وقد أصبحتْ بجهودِ العاملين فيها مرجعاً مهمّاً للمعلومات وآخر مستجدات الأخبار العاجلة على المستويين الفلسطيني والإسرائيلي، بحيث تُغني ومن دون مبالغة عن السعي لمصادر أخرى إلّا عند الضرورة للمزيد من المعلومات.

أغيب عن "العربي الجديد" لأعودَ إليها، وأجد أنّ الباب ما زال مفتوحاً

 لقد اختارت "العربي الجديد" الانحيازَ لمقاومة الشعب الفلسطيني في غزّة والضفة، وشكّلت منبراً لنقل معاناته، وتضحياته وبطولاته، وعملت على فضح جرائم الاحتلال الإسرائيلي. وأشدُّ ما كان يلفت انتباهي، متابعة أبسط الأمور من حياة الناس في غزّة أو الضفة، بين البيوت المدمّرة، والحياة اليوميّة للعائلات والأطفال المشرّدين، وغيرها كثير مما كان يمكن أن يضيع في دهاليز ملاحقة الأخبار الكبرى، ومنها وليس آخرها، عملية طوفان الأقصى.

أستطيع القول إنّ "العربي الجديد" جريدة الاتجاهات والآراء المختلفة، فبينما تقرأ مقالاً لكاتب يتناول قضيّة ما ذات اتجاه معيّن، تجد في اليوم التالي مقالاً لكاتب آخر بتوجّه مختلف حول القضيّة نفسها، وهو شيء ربّما أصبح نادراً في صحفنا العربيّة.

أستطيع الحديث عن "العربي الجديد" الكثير، وما أحدثته من تطوّر في الصحافة، وما حجزته من مكانة، لكنّي لن أضيف شيئاً جديداً لمن يتابعها، فاسمها أضحى معروفاً، لكنّي أحببت أن أرسل تحيّةً متواضعة، لصحيفة لديها مكانة عزيزة  في قلبي.

هي سنوات عشر، من التحدّي المتواصل، كسبت "العربي الجديد" فيها الرهان، ومهمتها لم تنتهِ بعد، ولديها الكثير لتدوّنه في سجلّها الناصع، خصوصاً أنّ هناك الكثير ليُكتب، ومواقف لتُسجّل، من شبابٍ عربي بحاجة إلى منبر، ليعبّر عمّا يجول في ساحاتنا العربيّة، فقضايانا ما زالت متأزّمة، وعلى رأسها قضيّة فلسطين التي هي نصب أعين "العربي الجديد".

وإلى سنوات عشر مقبلة من النجاح، فالتحدّيات ما زالت متواصلة.