الصهيونية الدينية إذ تحكم في إسرائيل

06 يناير 2023
+ الخط -

أعلن بنيامين نتنياهو عودته إلى المشهد الإسرائيلي كرئيس لحكومته السادسة، والتي يتصدّرها اليميني الديني التلمودي المتطرّف إيتمار بن غفير، والذي سيدير فيها وزارة الأمن القومي، رفقة تشكيلة يمينية متطرّفة تؤمن بالصهيونية الدينية، وحق اليهود الحصري في فلسطين التاريخية، كما ترفض تماماً حل الدولتين، وتنفي وجود الشعب الفلسطيني. 

وأعلن التحالف الجديد أنه سيواصل توسيع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية، وهو ما عناه بيان الحكومة بعبارة "الحقوق القومية اليهودية" التي تشمل "جميع أنحاء أرض إسرائيل".

وتشكيل هذه الحكومة هو الحلقة الأخيرة في تحوّل إسرائيل من الصهيونية العلمانية إلى الصهيونية الدينية، وهو مسار يعكس أزمة المشروع الصهيوني، وتراجع روايته وليس العكس، فلجوء الصهيونية للرواية الدينية يؤكد تعمّق أزمة إسرائيل في مواصلة إقناع مواطنيها القادمين من دول شتى بأساس المشروع الذي قامت عليه دولتهم، خاصة عقب رحيل جيل المؤسسين، ولجوئها إلى الدين للتأكيد على هوية قومية. وصحيح أنّ الدين لم يغب عنها يوماً، لكنه بات اليوم المحدّد الأساس لها.

هذه النزعة اليمينية المتطرفة تعني سياسياً انتهاء السياسة في إسرائيل، وتراجع السياسيين لصالح مجموعة من الصهاينة الجدد، الذين يؤمنون بالصهيونية الدينية، بما يعني قطع تل أبيب تماماً مع أي مسار سياسي، وانتهاء مشروع حل الدولتين، وعدم الاعتراف أصلاً بوجود صراع فلسطيني إسرائيلي، وإنما التعامل مع مجموعة من العرب الموجودين في كانتونات مجاورة، عبر بوابة أمنية، مع العمل على تهجير من تبقى منهم داخل إسرائيل باعتبارهم مهدّداً للأمن القومي الذي يتزعم وزارته بن غفير.

تشكيل هذه الحكومة هو الحلقة الأخيرة في تحوّل إسرائيل من الصهيونية العلمانية إلى الصهيونية الدينية، وهو مسار يعكس أزمة المشروع الصهيوني، وتراجع روايته

برنامج الحكومة الإسرائيلية وشخوصها يؤذنان باشتعال حرب دينية، وثمّة مشروع حقيقي اليوم قائم على أفكار مترّسخة في عقول وزراء حكومة بن غفير، وليس أفكاراً لمعارضين "مزاودين". هذا المشروع يتمثّل في هدم الأقصى وإقامة هيكل متخيّل في أذهانهم، وكذلك توحيد الضفة الغربية والقدس الشرقية التي يعتبروها "حقوقاً قومية يهوية"، وهي مقاربة تعني عدم الاعتراف بالفلسطينيين، ونزع الشرعية أصلاً حتى عن وجودهم كشعب.

في مقابل هذه التحدّيات ثمّة فرصة كبيرة للفلسطينيين على عدّة مسارات، منها المسار السياسي من خلال العمل على عزل ومحاصرة هذه الحكومة، واستثمار الفرصة لإظهار حجم التطرّف في الجانب الإسرائيلي، وفضح تطرّف حكومته على كافة المستويات.

أما فلسطينياً، وهو الأهم، فهذه فرصة تاريخية لتوحيد الصف، والإعلان الرسمي عن التحلّل من كلّ تبعات أوسلو، والتوحّد على برنامج وطني للتحرّر من الاحتلال، ووسم إسرائيل رسمياً بنظام فصل عنصري يضطهد الفلسطينيين، والمقاومة الشعبية الوطنية لمشاريع التهويد والتهجير عبر عمل فلسطيني موّحد في الضفة وغزة والداخل الفلسطيني، وعبر دعم حملة مقاطعة إسرائيل عالميا.

عربياً، لا بد من استمرار فضح مشاريع التطبيع أو تلك التي تروّج للتقارب مع إسرائيل تحت أي مسوّغ أو مظلة، ومحاولة دفع الأنظمة التي توّرطت في إقامة علاقات مع إسرائيل إلى مراجعة مواقفها، والعمل على تمتين الجبهات الشعبية الداخلية المناهضة لأيّ تطبيع أو تقارب مع دولة الاحتلال، فهذا مشروع توراتي وقومي هدفه إلغاء الوجود الفلسطيني، والعربي، وهو يستهدف الأمة العربية والإسلامية، وليس فقط الفلسطينيين.

C2A96DF8-EEBE-40B9-B295-1C93BEABA19C
محمد أمين
كاتب وإعلامي فلسطيني مقيم في لندن، أكمل الماجستير في الإعلام في جامعة برونل غرب لندن.عمل صحافياً ومنتجاً تلفزيونياً لعدد من البرامج التلفزيونية والأفلام الوثائقية لصالح عدد من القنوات العربية والأجنبية، يكتب حالياً في شؤون الشرق الأوسط ويختص في الشأن الفلسطيني.