الشاعر الجحش الذي لا يمدح الرئيس

11 يناير 2019
+ الخط -

خلال جلسة "الإمتاع والمؤانسة" التي انعقدت في مدينة الريحانية التركية التي نزحنا إليها أواخر العام 2012.. روى الأستاذ كمال حكايةَ اعتقال الشاعر السوري المتميز "دال واو" بسبب قوله عن حافظ الأسد في "مطعم الريس" بدمشق إنه رجل تافه لأنه يحب أشعار المديح التافهة، ويطرب لها!.. 

بعد وصول كمال إلى قفلة الحكاية؛ أردنا أن نعود إلى سيرة الشاعر المخبر "فلان الفلاني" الذي أصبح عضواً في اتحاد الكتاب وصار يشتغل بنا نحن أدباء محافظة إدلب على طريقة عشرة بلدي.. ولكن العم "أبو محمد" أصر على أن نؤجل حديث فلان الفلاني ونتحدث عما جرى لـ "دال واو" ضمن المعتقل. وقال: شوقتونا لنعرف كمالة هالقصة.

قلت: على علمي أن الشاعر "دال واو" لم يتعرض للضرب والتعذيب كغيره من معتقلي الرأي، ولا سيما الذين شكلوا أحزاباً مثل حزب العمل الشيوعي والأحزاب الإسلامية. ولكن المحققين، خلال فترة اعتقاله وضعوه في غرفة تحتوي على شاشة تلفزيون وصاروا يتبعون معه مبدأ (ودَاوِنِي بالتي كانت هي الداءُ)، إذ أجبروه على مشاهدة أكثر من عشرين شريط فيديو يحتوي بعضُها على مهرجانات خطابية يترأسها حافظ الأسد، وتأتي فقرة القصيدة، فيضطر للفرجة على الشعراء الذين مدحوا حافظ الأسد (وجهاً لوجه) مثل نجيب جمال الدين ومها قنوت ومحمد مهدي الجواهري، ويحتوي بعضُها الآخر على مهرجانات أقيمت في المحافظات، وفيها شعراء مغمورون يلقون قصائد هابطة في مديح لحافظ.

قال أبو زاهر: بشرفي هذا تعذيب حقيقي!

 

قال الأستاذ كمال: وزيادة في القهر كان السجان المختص بتعذيبه يأتي بين الحين والآخر على نحو مفاجئ ويسأل الشاعر عما إذا كان يسمع القصائد بتركيز، أم أنه يسمعها بحكم الضرورة ولأجل فض العتب. وكان الشاعر يلجأ إلى الصمت ليقينه بأن أي كلام مع مثل هذا السجان الجحش خسارة.. وقد حدثنا (دال واو) بعد مغادرته المعتقل عن موقف حصل معه ضمن المعتقل يشبه الفصل الذي اعْتُقِلَ من أجله. 

قال أبو زاهر: كيف يعني؟

قال الأستاذ كمال: في يوم من الأيام خطر له خاطر. فما كان منه إلا أن طلب من السجان أن يصحبه إلى مكتب المعلم، لأن عنده كلاماً (مهماً) يريد أن يقوله له. 

ضحك السجان وقال: الكلام (المهم) هو هادا الشعر اللي عم يقولوه هدول الشعراء. والله أنهم بيعرفوا قيمته للسيد الرئيس أكتر منك أنت يا اللي عامل حالك شاعر ومصدق نفسك.

قال الشاعر "دال واو": لك عمي أنا ماني رايح أقول شعر للسيد العميد، بدي أعطيه معلومات بتفيد أمن البلد.

ولما سمع السجان- يا سادة يا كرام- هذا الحكي، شط ريقه، وقال لنفسه إن الشغلة أجت والله جابها. أكيد هادا الشاعر بيعرف شي مؤامرة على السيد الرئيس عمّ تنفذها أطراف خارجية عميلة للصهيونية وهاي اللي إسمها بريالية (يقصد إمبريالية). وعلى الفور ذهب إلى المعلم وأخبره بالقصة، فقال له: روح جيب هالشاعر الجحش لنشوف.

وقال لنفسه: بالفعل هادا الشاعر جحش. يعني لو كان بيمدح السيد الرئيس متل بقية هالشعراء شو كان بيخسر؟  

وللحديث صلة

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...