الشاعر البردّوني بقلمه
عبد الحفيظ العمري
في الذكرى الخامسة والعشرين لرحيل الشاعر اليمني، عبد الله البردّوني، ارتأيتُ أن أتنحى جانباً عن الكتابة، وأتركه هو يتحدّث للقرّاء عن نفسه، وتنشئته وتعلّمه وغيرها من أمور حياته!
كلُّ هذه الأفكار المدوّنة هنا، مأخوذة ممّا استطعت تجميعه من الحواراتِ التي أجريت مع البردّوني في حياته، وليس لي إلّا عنونة الفقرات والربط بين الجمل في أضيق الحدود، لكي يكون الحديث مسترسلاً، وأعترف أنّ هذه المقالة لا تغطي كلّ نواحي حياة الأستاذ عبد الله البردّوني، لكنها خير من لا شيء.
سيرة مختصرة
أنا من مواليد العام 1929 في قرية "البردّون" (بتشديد الدال)، منطقة الحدأ، من محافظة ذمار، وفي قريتي أصبت بالعمى ما بين الخامسة والسادسة نتيجة إصابتي بمرض الجدري، والذي ما أزال أحمل آثاره على وجهي حتى الآن.
وفي "ذمار" درست المرحلة الابتدائية، وفيها قرأتُ النحو واللغة والدين والفقه، وبعدها انتقلت إلى "دار العلوم" في صنعاء العام 1949، حيث تخرّجت فيها العام 1953، منهياً دراسة 18 عاماً، وفي دار العلوم وبعد التخرّج بقيت فيها مدرّساً إلى العام 1962، ثم التحقت بالإذاعة مشرفاً على البرامج الثقافية بعد أن كان عملي فيها من خارج الوظيفة.
العمى في الصغر
العمى أصابني وأنا صغير جداً، في السنة الخامسة أو السادسة من عمري؛ وكانت بدايته أن عُميت عين نهائياً، وعين بقي فيها شيء يعرف البصيص، فمثلاً إذا صحوت من النوم ورأيت دخول الضوء أعرف أنّ الصبح قد أطل، وأرى إذا وجد في المكان سراج، وبعد فترة أصابتني ضربة شمس وصداع فانطفأ ذلك البصيص.
وما عميتُ إلا وقد كان عندي دراية بالحركة، أين أصعد إذا كانت أمامي صخرة، وكيف أنزل من الصخرة، فبقيت في ذاكرتي تلك الأماكن التي كنت أروح وأغدو منها وإليها، وكان خالي حسين علي فقيه -وهو شاعرـ يضيق مني، ويقول لي: (احتكم... احتكم)، وهذه الكلمة يقولها بعض الكهول للكهل إذا أصيب بالعمى، أمّا أنا، فكيف (أحتكم؟)، أنا كنت غير معترف بالعمى، وألعب حينما يلعبون، وكان الدم لا يجفّ من بنان قدمي، أكدف هنا وأضرب رأسي هناك، وكانت أمي تربط أصابعي بخيطٍ أحمر (كحرز) يقيني ضربة حرّاء، كما تعتقد، والسبب أنّ الأحجار الناتئة تقع عليها رأس الأصبع فتُدمى، كما أنّ ضرب رأسي يكون في جدار قام حديثاً أو بني ليلاً وضحى، وما مررت عليه سابقاً.
وسمعتُ كلمات رديئة عندما عميتُ، قالوا: أعمى لا غرّام ولا رجّام، أي لا يقاتل مع القرية (رجّام)، ولا غرّام يعطي نصيباً من النقود إذا كانت عليهم غرامة.
التعلم وكتب التعليم
من الصبا الباكر في عمر السادسة تعلّمتُ القراءة كلّها على السماع بما فيها معرفة الحروف وأداؤها، ثم تعلّمتُ القرآن الكريم كاملاً كتابة، ثمّ ترتيلاً، تم تجويداً ثم تعلّمتُ العلوم، ثم علوم القرآن... ثمّ قرأتُ كتب اللغة، نحواً وصرفاً وكتابة بالسماع وعرفت قواعدها بالسماع، وتعلّمتُ العبادات والأحكام وأصول الدين بالسماع، ثم تعلّمتُ علم الكلام والفلسفة القديمة عن العرب: ابن سينا، والفارابي وابن رشد وإخوان الصفا وابن ماجه وابن طفيل.. ثم قرأتُ وقرأتُ... وهكذا اعتمدت على السماع، لأن السماع أوجد حاسة ثانية أو أذناً ثانية.
الأذن التي تسمع الصوت وتلك التي تسمع صوت الصوت؛ فأنا - مثلاً - لا أسمع صوتك كما يسمعه بعض الناس، بل أشعر أن له خضرة وحمرة وشفقية وبرتقالية، وهذا حسب حالة الأذن الصوتية وإمكان الصوت، كل فنان له حاسة وراء الحاسة سمع السمع قلب القلب، عين العين، إنه عادي وله زيادة أوجدتها فيه الحاسة الفنية، فالحاسة الفنية عند الأعمى أقوى لأنه لا يرى بالعين المجردة، ولكنه يتصور، والتصور يستوعب ما لا تقع عليه العين، كما يستوعب الذي تقع عليه العين.
في المِعْلامة (الكتّاب) قرأتُ ما يسمى بجزء البياض، وهذا الجزء هو قراءة الحروف وكتابتها في لوح على مداد أبيض وقلم (مبري).
وبالنسبة لي كنت أحفظ الحروف دون كتابتها، وكنا نقرأ الحروف قراءة إنشادية، فيها شيء من الإطراب، تشبه الإنشاد الذي يصاحب الجنازة من قبل الأطفال، فهؤلاء في اليمن إذا تقدموا الجنازة يحوّلون الإنشاد الجنائزي إلى موسيقى فريدة.
وفي «ذمار» درستُ المرحلة الابتدائية، وفيها قرأتُ النحو واللغة والدين والفقه؛ فعندما انتقلتُ إلى المدينة (ذمار) وأنهيتُ فيها حفظ القرآن تجويداً، انتقلتُ - أيضاً - من (المِعْلامة) إلى (المدرسة الشمسية)، وهي جامع أسسه أو بناه شمس الدين بن شرف الدين الذي حارب الأتراك في القرن العاشر الميلادي، وكان مرشّحاً للإمامة، لكنه أصيب بطلقة وحجرة، فكُسِرت رجله ثم جُبرت، فصارت فيه عاهة العرج مما حرمه من الخلافة التي تشترط في الإمام أن يكون سليم الحواس والأطراف.
عندما دخلتُ هذه المدرسة، شعرتُ أني بدأت غربة جديدة، وأذكر أنني ظللتُ فيها شهراً في جوع قاتل.
كتب التعليم التي كنا نقرؤها كانت شديدة التعقيد متداخلة الاستطراد، إذ كنا نقرأ في النحو كتاب «شرح ألفية ابن مالك» لابن عقيل، ثم كتاب «قطر الفاكهي» وننتهي بـ«مغني اللبيب» لابن هشام، وكانت المراحل في تعليم النحو تبدأ من كتاب «الآجرومية» لابن دحلان، يليه «قطر الندى» لابن هشام، ثم ابن عقيل، كذلك كتب الفقه كنا نبدؤها بكتاب «متن الأزهار» وننهيها «بالبحر الزخار» لابن المرتضى، كذلك أصول الفقه كنا نبدأ بـ«كافل لقمان»، ثم «كافل الطبري» وكتاب «الغاية» للحسين بن القاسم، وكذا أصول الدين كنا نبدؤه بـ«الثلاثين المسألة الصغرى» يليه «الثلاثون المسألة الكبرى»، ويكون الختام كتاب «الأساس»، وكانت كتب النحو أسهل من كتب البلاغة، أما الفقه والبلاغة فليس لهما قواعد لأن كل مسألة تقوم على قاعدة خاصة، وهذا انطبق على تعليم القرآن، إذ بدأناه من النصف الأخير، لأن حفظ السور القصيرة أسهل على التلميذ الصغير، وبعد هذا نقرأ أصول الفقه والنحو والبلاغة لكي نصل إلى تفسير القرآن، وكان الكتاب التفسيري المقرر علينا هو كتاب «الكشاف» للزمخشري، لهذا كانت هذه الدروس تستغرق كل أوقاتنا، إلا أن هذه الكتب العلمية كانت تحمل بذوراً ثقافية، لأن الشعر كان منبثاً في أثنائها كشاهد على صحة القاعدة الإعرابية، وعلى صحة القاعدة البيانية، لهذا فقد شكلت كتب التعليم أساساً ثقافياً بمقدار ما شكلت ضوءاً على بوابة ثقافة العصر.
كانت الأربعينيات فترة تعليم، ولم يكن للمطالعة غير حيز ضيق في شهور الدراسة، ولعل أهم مطالعاتي هي أربعة كتب: كتاب «الأغاني» للأصفهاني، وكتاب «الموازنة بين الشعراء» للدكتور زكي مبارك، وكتاب «الشوامل والهوامل» لأبي حيان التوحيدي، وكتاب «مع المتنبي» للدكتور طه حسين. وأظن بأن أجودها لمعرفة الشعر ولغته هو كتاب الدكتور «المبارك»؛ فهو فريد في معرفة السر الشعري في كل لقطة، والدخول إلى نسق القصيدة، وقد فاق كل الموازنات، لأن الموازنات التي سبقته كانت تقوم على موازنة بين شاعرين، كموازنة «الناشئ الأكبر» بين أبي العتاهية والعتابي، ثم موازنة «الآمدي» بين الطائيين البحتري وأبي تمام، أما الدكتور «مبارك» فوازن بين أكثر من ستين شاعراً؛ وازن بين أبي نواس وبين الدراج القسطلاني، وبين البارودي والبوصيري وشوقي، وبين جرير والفرزدق، وبين كثيّر وجميل، إلى آخر القائمة حتى عصر شوقي، وكان أهم ما في هذا الكتاب هو تبيين الدقة اللغوية والسر الشعري الكامن في المفردة والتركيب اللغوي.
التأثر في البدايات
كانت مرحلة التأثر لا تقتصر على شاعر بعينه أو كاتب بذاته، فلا ينتهي التأثر بشاعر أو كاتب حتى ينهيه شاعر أو كاتب آخر، لأن مرحلة التأثر حادة الحساسية، لقد تأثرت بجميع الشعراء، ولعل الأكثر سيطرة عليّ في الأربعينيات هم «أبو العلاء المعري، والجاحظ، وأبو حيان، والمتنبي…»، ودواوين أبي تمام والشريف الرضي، ثم ديوان شاعر يمني قديم غير مشهور اسمه حسن بن جابر الهبل، وشاعر آخر اسمه عمارة بن محمد الحكيم أو عمارة اليماني، وكان يفوق شعراء عصره في مصر وغيرها، بالإضافة الى تأثري بالأهازيج المحلية التي كان يرددها الناس وهم يزرعون ويحصدون ويقومون ببقية أعمالهم اليومية. وقد تتبعتُ هذه الأهازيج والأغاريد في عموم اليمن ثم جمعتها وكتبتُ عنها كتاباً أسميته (فنون الأدب الشعبي في اليمن)، وقد تُرجم هذا الكتاب إلى الإنجليزية بواسطة منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة.
وعلى المستوى اليمني، لعل الشاعرين «محمد محمود الزبيري، وزيد الموشكي» أول من دفع الشباب اليمني في الأربعينيات إلى الشعر لأنهما تمحورا السياسة، والإيقاظ الجماهيري، وكانت أغلب قصائدهما توزع سراً، وتقرأ سراً كمناشير ثورية، مع أنها لا تتجاوز الدعوة إلى الإصلاح والحكم الدستوري.
أما من بداية الخمسينات وحتى الآن فلم يعد التأثر شديد النفوذ إلى النفس؛ لأن الأحداث المتعاقبة كانت أغزر إيحاءً، ولم تعد الكتب إلا مجرد إضاءة على تحول الأحداث وتعاقب التغيرات، لهذا استكثرت في الخمسينيات من قراءة الكتب السياسية عربية ومترجمة، وحتى الأدب كانت لا تهمني قيمه الجمالية بمقدار ما كانت تهمني رؤيته السياسية، وشمول رؤيته الإنسانية، إلى حد أني لا أقرأ الشعر إلا إذا كان سياسياً أو متسيساً، وهذا ما جرني إلى قراءة الشعر الجديد لأنه ابن الثورات المعاصرة، ومرآة التحول الثقافي والاجتماعي.
ومن شعراء الحداثة كان «بدر شاكر السياب» أول من أثر علي منتصف الخمسينات، ووجدتُ في شعره الحداثة الحقيقية والأصالة، لأنه كان على إلمام جيد بالشعر القديم، وكان أغلب شعره من العمودي المتطور، لذا لفت انتباهي إلى قراءة «الشعر الحديث» فتتبعته من منتصف الخمسينات إلى الآن، بعد هذا اكتشفتُ أن الحداثة ليست مقصورة على الشعر المعاصر بأشكاله الأربعة، وإنما هي منبثة في الشعر القديم، لأن الحداثة تتكون من الرؤية الشعرية، ومن تجاوز التقاليد السائدة في أي عصر، ومن الشمولية في تركيب القصيدة، وصلتها بالوجدان الجماعي، وهذه موفورة في كل شعر من شعر العصور، إلا أنها في الشِّعر المعاصر أوفر وأجد ذلك الشعر الجديد لم يعد يقوم على حداثة واحدة، وإنما يحتاج إلى عدة حداثات: حداثة القاعدة الفلسفية، حداثة المنهج التعبيري، حداثة الرؤية، حداثة الشكل.
القراءة والكتابة
أنا أقرأ كل ما وجدتُ ولا أستطيع أن أرتّب على حسب ظهور كل كتاب أو كل رواية، وكنت أقرأ في الخمسينيات ثماني ساعات من التاسعة إلى الواحدة ظهراً، وبعدها من الخامسة إلى الثامنة أو التاسعة.
وفي أوقات أقرأ أقل، أما أكثر فلا، وفي أوقات لا أقرأ أي شيء، أستمع إلى الراديو أو أسترجع ما قرأت وأرتّب ذهنياً، فعندي - مثلاً - فكرة عن كل كتاب فيه شاهد على ما أقول أو دليل.
أكتب لأن عندي شيئاً أحسه يتفرد بمهمات لا ألاحظ سواها فيما كتب؛ فأنا أكتب لأني أسمع شيئاً يقول اكتب، وأحس شيئاً يكتبني قبل أن يشم رائحة الحبر، فلا أكتب تطوعاً ولا ترفاً، وإنما بدافع شيء يكتبني هو لكي أكتبه أنا، ولكي يكون الهو أو الآخر هو الكاتب والمكتوب وبين الرؤية والمرئي، فما دام هناك مَنْ يكتب عن داع يكتبه فهو يخلق كتاباً ويفجر ملكات الكتابة؛ لأن أجود أنواع الكتابات هو الذي يحرك الملكات إلى القول، لا الذي يحشو الرؤوس بالمقررات المفروغ منها.
أكتب للذي قالت لي الكتابة اكتبه، لأن الحس بالآخر هو الذي تذيت في الأنا، فأنا أكتب لهذا أحسه هجساً في الكتابة ويحسني خارجاً كجزء من داخله؛ أي إني قلت عن صمته كما يقول نثيث الطبيعة هنا اخضرار وإنبات، وهنا أنداء وظلال وشمس، فلا شيء يقول غير ما في داخله ما تقول الريحانة إني من عنصر الطيب، ويقول العرفج إني من الروائح السيئة، وكلٌّ ينضح بما عنده عن إرادة وعن لا إرادة.. فأنى لهذا يريد ولا يحس ويكلف سواه أن يحس به وله.
هذي الحروفُ الضائعات المدى ضيّعتُ فيها العمر، كي لا تضيعْ
ولستُ فيما جئته تاجراً أحسُّ ما أشري وماذا أبيعْ
إليكها يا قارئي إنها، على مآسيها: عذابٌ بديعْ
في الحقيقة لحظات الإبداع هي في ذاتها غائبة عن نفسها وغائبة عن الوجود الذي نبتت في تربته، أو تعلقت بجناحه، ولا يدخلها الإنسان وهو يحمل اعتقاداً فكرياً أو فلسفياً، وإنما يجدها تقتحمه بلذة وعذاب، وإن عذاب الخلق غير عذاب الموت، فالمبدع يتعذب ليخلق، يحترق ليضيء من رماده، هكذا هي لذة الإبداع وألمه، والإمكان لا يكفي وإنما تجسيده وتحريكه وتجربته الداخلية من إنسان الإنسان - داخل الداخل - ومن إنسان الوسط بين المعنى وبين العبارة، وليس كل ما يقوله الشاعر أو بعضه دليلاً على أنه أحس عذاب الحرف وعذاب إنطاقه، غير أن هذا العمل لا يخلو من تعب يلذ للقارئ الشعور به في محاولة فهم المبدع، وكما يقول أبو تمام: «فإنّ طريقَ الراحةِ التعبُ». وأنا عندما أكتب لا أتقيد بماذا سيقال وكيف سيكون أثر كذا.. بل إن المبدع يقع في ورطة الجميل بعض القبض على الأجمل.
دواويني وكتبي
لا أقول كما يقول الشعراء: كل قصائدي كأولادي، أو كل أعمالي الكتابية كأبنائي، أنا أرى أن أجود دواويني هو ديوان «زمان بلا نوعية» الذي صدر عام 1979م، وأجود كتبي: «فنون الأدب الشعبي في اليمن» والذي صدر عام 1981م، هذا من ناحية حساسيتي نحو هذين العملين.
أما وقع القصيدة فآخر قصيدة هي الألصق بالنفس، فكل قصيدة لدي جيدة حتى تنشأ الأجود أو الأحدث لأن العمل الأخير هو الذي يشعر صاحبه بأنه خلق شيئاً، وأما الذي مضى عليه وقت، فإن جدته تتلاشى، فيظل الشاعر محباً لأقرب النتاج، بل وأكثر حنيناً إلى الذي سوف ينتج.
المدارس الشعرية والسياسة
أختارُ كل المدارس لأنها كلها مترافدة بعضها وبعضها متصل ببعض؛ وأنا عموماً (لا) أنتمي إلى مدرسة أدبية أو شعرية معينة؛ لأن الشعر أكبر من المدارس، ولأن القصائد شمخت ووجدت شامخة قبل التصنيف المدرسي والمذهبي.
أنا لا أنتمي إلى أي الفرق الكلامية؛ فلم يعد هناك فرق كلامية.. هناك فرق سياسية، التي، والله، أنا أنتمي إلى كل الفرق السياسية أو إلى خير ما فيها جميعاً؛ فأنا معتزلي إلى حد، وشيعي إلى حد، وأؤمن بالحزبية لأنها أفضل من التجمع العشائري ومن الأحزاب البيتية، رغم أني لم أكن حزبياً في يوم من الأيام، لكني أرى أن لهذا الحزب أو ذاك موقفاً يستحق أن يُذكر بما هو عليه، ولكن ليس بالارتماء أو النظر في الجزاء، ويمكنني أن تقول إني قريب من اليسار على الإطلاق، لكن ليس من يسار اليسار، بل من اليسار اليسير.
المرأة في حياتي
المرأة هي في كل حياتي هي أمي وأختي، وابنتي، لو كان لي أولاد.. هي جدتي وأرضي لأن الأرض أم جميع الخلق... وهي حبيبة وصديقة وطيف وحقيقة وتخيل... المرأة أشياء كثيرة... إنها أكثر من موقف وطني أو اجتماعي أو إنساني.
ولا يظنن أحد أن المرأة والرجل شيء واحد، ولا يظنن أحد أن المرأة مختلفة عن الرجل، صحيح أنَّ هناك اختلافاً فيزيولوجياً، وأنها تحمل وتلد، ولكن هذا بطبيعة الحال ليس تقليلاً من شأنها وإنسانيتها بل هو ميزة لها، والمهم أن يسعى الإنسان إلى تكوين ذاته وشخصيته.
فقد كان عملي الأول محامياً (وكيل شريعة) في الأربعينيات، حتى أُطلق علي لقب (محامي المطلقات)؛ وفي الحقيقة لا أدّعي أن علاقتي بالمرأة كانت تحرّراً أو مناصرة، بل لأنه لم يوكلني أحد غيرهن.
فقد كنت أبدو بقميص مهلهل، نعم كان هناك رجال يوكلونني، لكن أول مَنْ وكلني كن نساء، وبالذات المطلقات والوارثات أو مغتصَبات الإرث من الإخوة، ففي هذه الناحية عندما يموت الغني يتعاون الأولاد في الاحتيال على البنات حتى لا يخرج مال أبيهم إلى زوج الأخت أو البنت، كما وُكّلت أيضاً في قضايا الزنا وغيرها.
بيد أن حياتي مع المرأة عادية جداً، لقد تزوجت في البداية ثم ماتت زوجتي رحمها الله وبقيت أرمل لمدة سنتين، ولكنني لم أستطع البقاء دون زوجة فتزوجت من فتحية زوجتي الحالية، وهي مجازة في الأدب الإنجليزي، وعندما أسافر لأي بلد أجنبي تكون رفيقتي ومترجمتي في الوقت نفسه، وهي عندما تصف لي الأشياء والناس حولي تصف كل شيء بدقة متناهية كعادة المرأة في الملاحظة.
الأصدقاء والإخوة حولي هم الذين يساعدونني في القراءة والكتابة، فزوجتي للأسف تعاني من قصر شديد في النظر ولا ترى إلا بواسطة النظارة.
آخر الأعمال
أنا أعمل في ثمرة العمر كله وهو كتاب «الجديد والتجديد في الثقافة اليمنية» أو كتاب «الجديد والمتجدد في الأدب اليمني»، وهو كتاب من مجلد واحد بحدود «2300» صفحة يدرس الأدب اليمني من أيام الممالك الأولى، من أول الحضارة المعينية إلى الآن، ويشمل الشاعر والفنان والفقيه والخطيب واللغوي...إلخ.
والكتاب يناقش قضايا فكرية وفقهية وشرعية إلى جنب القضايا الإبداعية عموماً، فعلماء اليمن وفقهاؤها أجلاء ومطلعون على الثقافات لا سيما الثقافة الفيثاغورية.
أعمل الآن على الانتهاء من وضع كتاب بعنوان “الجمهورية اليمنية”، يحكي عن اليمن قبل وبعد الوحدة، وهو يعتبر الجزء الثاني من كتابي السابق ”اليمن الجمهوري”.
أما رواية «العم ميمون» فهي مكتملة، لكن الطباعة في علم الله، فقد ضعفت مالياً وجسمياً...، وأنا مدين بحوالي 20.000 دولار تغطي الطباعة جزء منها والحوالات، ولكن مغامرة الطباعة في ظروفي هذه صعبة وما باليد حيلة.
نصيحة أخيرة
لستُ من الذين ينصحون أحداً، لأنني ما تقبلتُ نصح أحد!
***