السُّهاد أو بحثاً عن نوم لا يأتي
لا أعرفُ بالضَّبط أناي؛ جسدي، روحي، شعوري... ولا أستطيعُ أن أتمثلَ مُحيَّاي، أو أن أُصيخَ السَّمعَ لصوتي وهمسي..
ولَعَمري، كيف أجيب سائلًا عنّي؟ أَأُقدّر وأَقولُ أم أكتفي بالصمتِ؟ وإنْ زِدتُ تبسَّمتُ في وجهِ سائلي درءًا لممكن الفهم.
على أيّ حال، هذا بعض ما اعتراني لحظة استيقاظي اليوم، ففي غمرة الوعي واللَّاوعي، والدِّفء والبرد، عدَّلت من جلستي، وجعلت ظهري مستقيمًا على الحائط، وتريّثت قليلًا.
لا أعرف هَلْ فَكَّرتُ في شيء أم لا؟ ولا أعرف هل تساءلت: من أنا؟ مثل ما تزعمه بعض الكتب والأبحاث والأفلام!
الذي أعرفه جيداً، أنّني لم أنم إلَّا ساعتين أو أقلّ، وأنّي لم أنم إلَّا مُرغماً، فأنا لم أكن بعد أشتهي النوم.
لكنّ العمل في الصَّباح، وفهمي للواجب والمبادئ والمسؤوليَّة، يجعل مني أفعل ما لا أشتهي، ويُحتّمُ عليّ أن أنام دون تعب، بل في أحايين كثيرة أتصبّب عرقًا وألمًا لكي أستطيعَ النَّوم لساعتين.
أتحايل على نفسي، مُستثمرًا كلّ السبل المُوصى بها لدفع الأرق، فأقرأ مراتٍ ومراتٍ المعوّذتين وآية الكرسي، فأفلح في بعضها، ويخيب مسعاي في كثيرٍ من اللَّيالي، فألجأ فيها إلى العدّ من الصفر إلى أن يذهب التفكير بي إلى شيء آخر، ثمّ أعود رغماً عن تفكيري للعدّ ثانيةً وثالثةً.. وعاشرةً.
قليلًا ما أذكر أنَّ حيلة العدِّ نجحت معي، فكنت كمن يتمسّك بالسَّراب وهو يعرف أنَّه سراب، فقط من أجل أن يُرضي نفسه، ويفحمها بكونه يعمل بالأسباب.
أمتطي الخيال، وأبدأ بالتَّجوال إلى أن تأتي تلك اللَّحظة التي عجز العلم عن سبر أغوراها، فأنام
ولطالما تشدّدت مع نفسي، فأحاول إرغامها على النوم، فأغمض عينيّ بقوة، إلى حدّ الشّعور بأنّهما على وشك الخروج من محجريهما. وبالموزاة مع ذلك، أجمع جسدي على شكل كرة مشوّهة، وأضغط على يديَّ، لكن هيهات ثم هيهات! فغالباً ما تكون النَّتيجة أن يهزمني السّهاد شرَّ هزيمة، فأُخرج ما اعتصر داخلي من غضب وفشل وقلَّة حيلةٍ، في شكل سباب، بعضه مسموع، وجلُّه مهموس مرئي، لأنّه مرسوم على ملامحي؛ عينيّ، وأُذنيّ، وشفتيّ..
وعندما أستنفد كلّ السبل التي أعرفها، لا يبقى أمامي إلّا أن ألجَ عالم الأرق بصدرٍ عارٍ، أختار التفكير والحلم والخيال بديلاً، رغم أنني دائما ما أتفادى هذا الاختيار، لأنه يأخذ وقتًا، وأنا في أمسّ الحاجة لكلِّ دقيقةٍ، لكنِّي كثيرًا ما أجدني بدأت في نسج قصة، محدّداً نفسي بطلًا أزليًّا وسرمديًّا لها، ومُستحضرًا ما عشته، وما كان ممكناً أن أعيشه، وما يدخل في باب المحال.
فأمتطي الخيال، وأبدأ بالتَّجوال إلى أن تأتي تلك اللَّحظة التي عجز العلم عن سبر أغوراها، فأنام. وإلى أن تأتي أختها اللحظة التَّؤام، فأستيقظ. فأعرف آنذاك أنِّي قد سبق لي أن نمت..