الرفيق مزلقان في محنة
أجرى الرفيق مزلقان (سلمون سابقاً) عدة حركات بهلوانية أدت إلى تحقيق أرباح جيدة لصاحِبَي المكتب أبو سلمان وأبو رستم. وهذا ما جعل الطمع يدب في نفسيهما، وبدآ يفكّران جدياً في نقله من وظيفة آذن، شوفور صينية، إلى مركز الاستشاري في أعمال البيع والشراء.
ولكن مزلقان، في يوم من الأيام، وقع في شر أعماله، وتسبب للشريكين بمشكلة عويصة جعلتهما يعيدان النظر في التعامل معه، وأدخلاه في مرحلة جديدة.
قال كمال الذي بدأ سهرة الإمتاع والمؤانسة بهذه المقدمة:
- راح إحكي لكم الحكاية اللي سببت لأصحاب مكتب النزاهة مشكلة خطيرة.
أبو محمد: كويس كتير. تفضل.
كمال: متلما بتعرفوا إنه أهل محافظة إدلب بيحبوا البيوت المتجهة نحو الجنوب، (القبلة) لأنه الشمس بتسطع فيها بوقت الظهيرة، وبيقولوا عن البيت المتجه نحو الجنوب: قبلي. وكمان بيفضلوا يكون البيت القبلي إله إطلالة على الغرب، وفي عندهم متل شعبي بيقول (البيت الغربي ليوان).. الاتجاه الشرقي ما في حدا بيحبه لأن الريح الغربية بتلملم الأوساخ والغبار والتبن وبتلجيها شرقي البيت، لذلك بيقولوا (الشرقي تَبَّان).. وعلى حسب ما حكى أبو رستم إنه معظم سماسرة العقارات بيتقصدوا إنهم يصلُّوا أمام الزبون، لحتى يثبتوا له أنهم أتقياء أنقياء صادقين، وإنه مستحيل يغشوه، حتى إن بعض المكاتب بيخلوا فتى عمره شي 15 سنة يقعد قدام باب المكتب ويراقب الطريق، ولما بيشوف زبون قادم بيعطيهم إشارة، ولما بيتلقّوا الإشارة بيوقفوا وبيصلوا، ولما بيدخل الزبون بيلاقي له الآذن وبيقول له:
- تفضل استريح على بين ما المعلمين يخلصوا صلاة.
وفي يوم من الأيام كانوا عم يصلّوا في انتظار وصول الزبون، ولكن الزبون على ما يبدو غَيَّر رأيه، وما دخل المكتب. ولما أنهوا صلاتهم قال مزلقان:
- بتعرف يا معلم أبو سلمان مين هوي الإنسان الطشم (الغبي)؟
أبو سلمان: مين هوي؟
مزلقان: الطشم الغبي البهيمة هوي اللي بيشوف غيره أيش عم يشتغل وبيشتغل متله.
أبو رستم (غاضباً): أيش بتقصد ولاك مزلقان الكلب؟
مزلقان (بهدوء ورواق): إذا إنته هلق بتعمل جولة على كل المكاتب الموجودة في البلد بتلاقي كل الدلالين بيصلّوا، في منهم بيصلوا صح، وبخشوع، وصلاتهم ما في عليها أي كلام، وفي منهم بيصلّوا نفاق لحتى يخلوا الزبون يرتاح نفسياً، ولما يوقع تحت الضرب بيضربوه بلا شفقة. وإنتوا هلق عم بتقلدوا هدول السماسرة تقليد ما إله فكاهة ولا مازية.
أبو سلمان (وهو في قمة الغيظ والتهكم): وإنته أشو رأيك يا مزلقان الصرماية؟
مزلقان: رأيي إنه مكتبنا لازم يفكر بشي مختلف عن كل المكاتب العقارية التانية، ولازم يعمل شغلة ما بتخطر في بال الجن الأزرق.
أبو رستم (متشوقاً): بالله؟ وأشو هيي هالشغلة؟
مزلقان: أول شي كل المكاتب العقارية بتسمي حالها أسماء كذابة. بتلاقي مكتب كل شغله كذب وذبذبة ولوفكة، ومع هيك بيسمّي حالُه (مكتب الاستقامة)، إنته وشريكك بتاكلوا البيضة بقشرتها ومسمين مكتبكم (النزاهة).. ومكتب الصدق، ومكتب الأمانة، ومكتب الائتمان.. روحوا أول شي غيروا اسم مكتبكم بيكون أحسن. تعالوا نسميه (مكتب الكف لمن سطره) أو مكتب الشطارة والمهارة.. وهيك شي.
أبو سلمان: طيب يا مزلقان القرد. وغيره؟
مزلقان: من كم يوم إجا لهون الأستاذ حمودة الفَزّازة، وعرض علينا بيت، وقال إنه ما عم ينباع. سألناه ليش ما بينباع؟ قال لأنه واجهته على الشمالي. والشمالي ما بيشوف الشمس لبعد العصر، يعني حتى تصير الشمس في الغرب، هون بقى صاحب المكتب الفهيم أيش بيعمل؟
أبو رستم: انشالله تعملها تحتك، أيش بيعمل؟
مزلقان: اليوم، بالصدفة، أجا لعندك "أبو طباش الفيلوني" وطلب منك بيت ع القبلي. خده على هادا البيت وحاول تبيعه إياه.
أبو رستم: بالفعل إنك حمار يا مزلقان. أول شي هوي بده بيت ع القبلي وهداك البيت شمالي غربي. وتاني شي هادا الفيلوني واحد بلطجي إذا منخربط معه بيخربط واجهتنا.
مزلقان: طول بالك لحتى أفهمك الخطة. إنته بتاخد أبو طباش وبتفرجيه البيت بعد العصر، يعني لما بتكون الشمس عم تشقع وترقع في البيت. وإذا كنت ذكي زيادة عن اللزوم، بتصلي ع الغربي، وإذا سألك الزبون أشو هاي الجهة؟ بتقله: طبعاً هاي القبلة. معقولة أنا بصلي ع الغربي يا أبو طباش؟ وهوي بيصدقك وبينبسط منك وبيشتري البيت على إنه اتجاهه قبلي. وإنته بتاخد عمولة من البياع ومن المشتري.
علق أبو جهاد على ما رواه كمال قائلاً: بالفعل هادا مزلقان قرد سعدان. يخرب بيته، ما بيرحم.
كمال: نعم. بس نتيجة هالذكا الغريب من نوعه ما كانت لصالح مزلقان، لأن أبو رستم وأبو سلمان طبقوا الخطة بحذافيرها وباعوا البيت لأبو طباش، وأخدوا العمولة، وعلى أساس كل شي انتهى. وتاني يوم الساعة ستة المسا تعرض مكتب النزاهة العقارية لهجوم كاسح من أبو طباش وشي عشرين تلاتين شاب من أقاربه، اقتحموا المكتب، وسكروا الباب من جوة، وربطوا الشريكين ومزلقان بالحبال، وهددوهم بالقتل أو بيرجّعوا المصاري اللي أخدوها منهم بالغش والاحتيال. وقال أبو طباش:
- منعرف إنكم غشاشين ونصابين، لكن إنكم تغشوا بالصلاة، وبالجهات، وتعملوا الغربي قبلي، هاي ما توقعناها.
أبو محمد: حسبنا الله ونعم الوكيل. بالفعل المال بيخلي الإنسان ينحرف وما عاد يرجع لجادة الصواب.
أم الجود: وشلون انحلت القصة أستاذ كمال؟
كمال: الشريكين أبو رستم وأبو سلمان سلّموا بالأمر الواقع، وطلبوا من أبو طباش يفك قيودهم، ووعدوه يرجعوا له المصاري، وهادا الشي حصل، فكوا قيد الشريكين ولما إجوا ليفكوا مزلقان صاح أبو رستم:
- خليه خليه. نحن بعدما تروحوا منفكّه.
المهم رجعوا لهم المصاري وشقوا العَقد، وجماعة أبو طباش أخلوا المكتب، وبوقتها سحب أبو سلمان حزام البنطلون وبلش يضرب مزلقان، لحتى صار يستجير. وسأله:
- لما عيناك عندنا في المكتب أيش كانت شغلتك؟
مزلقان: تنضيف وغلي شاي وقهوة.
أبو سلمان: يعني شوفير صينية. بدي أفهم من وين أجاك كل هالذكا لحتى ورطتنا مع أبو طباش الكلب؟
وانتهت القصة بتكسير مزلقان رتبة، وصارت شغلته، اعتباراً من اليوم التالي هيي الجلوس على باب المكتب، ولما بيشوف زبون قادم بيعطيهم خبر حتى يتظاهروا بأنهم عم يصلّوا.