02 سبتمبر 2024
الرجل الذي رأى حافظ الأسد في منامه (1)
(الإنسانْ الجيدْ هوي اللي بيستفيدْ من تجاربُه). هذا ما قاله الأستاذ كمال في جلسة الإمتاع والمؤانسة ببيت العم أبو محمد في اسطنبول. وأضاف كمال: الاستفادة إذا ما كانتْ مادية ممكن تكونْ معنوية، وهادا أضعف الإيمان..
وحكى لنا ما جرى لصديقه الراحل "أبو نور" الذي سافر عبر البحار لمدة سنتين مصمماً أن يحصل على كمية كبيرة من المال، ويحفر، بعد عودته، قبراً كبيراً، ويدفن فيه الفقر، ولكن هذا لم يحصل، مع الأسف. وحينما سألوه: أيش استفدت من رحلتك يا أبو نور؟ قال: صار عندي كمية كبيرة من الحكايات، لما بجتمع بأصدقائي بحكي لهم إياها، بيضحكوا وبيتسلوا وبيكيفوا..
قال أبو إبراهيم وهو ينظر بطرف عينه نحو "أبو الجود": أنا ما بعرفْ، غالباً أنُّه القاعدة اللي أوردْها الأستاذ كمال في إلها استثناءات.
قال أبو جهاد: نعم في إلها استثناء واحد هوي أبو الجود. تصوروا يا شباب، واحد دخل ع الحبس ظُلْمْ، وبقي في الحبس مدة طويلة بين المجرمين والنصابين والحرامية وأصحاب السوابق، وبالأخير طلع متل صبي الحَمَّام، إيدْ من ورا وإيد من قدام. لو مرة وحدة بس حكى لنا قصة ظريفة كنا منقول إنه استفاد.
قال أبو الجود: إذا بتقصد الحكي والعلاك، بالعكس، أنا استفدت كتير، أما من ناحية الفلوس فأنا متلما بتعرفوا صفر ع الشمال، هلق من قوة الفقرْ بتلاقيني عم عَوِّي متل الكلبْ! لاكنْ تعال تفرج ع الأستاذ كمال والأستاذ أبو مرداس – بلا غيرة وحسد- لما بيسمعوا قصة من حدا تاني بيكتبوها وبينشروها وبيقبضوا حقها بالدولار وباليورو..
قال كمال: أنت عم تتهرب من الإجابة يا أبو الجود. معقولة بكل فترة الحبس تبعك ما سمعت شي قصة ظريفة؟
قال أبو الجود: مبلى. سمعت مية قصة وقصة. وهلق متلما عرفتْ أبو محمد راح يحط لنا عشا كويس. أشو رأيكن إحكي قصة بشرط: لما بيوصل الأكل بسكتْ.
قال أبو محمد: لسه الأكل بده شي نص ساعة ليصير جاهز. تفضل احكي لنا.
قال أبو الجود: طيب. يا سيدي كان معنا في سجن إدلب واحد ما حدا بيعرف إسمه الاصلي، كنا ننادي له بلقب: أبو راسْ الدمخْ.. هوي في الأساس كان سجين سياسي، اعتقلوه جماعة الأمن العسكري، وخلوه عندُن شهرين ونص، بعدين صار عقلُه يوشّ، وصاروا المعتقلين التانيين يِتْشَكُّوا منُّه، فقرر فرع الأمن العسكري بإدلب ينقلُه عَ مستشفى الأمراض العقلية في "الدويرينه" التابعة لحلب، ولما فحصتُه لجنة الأطباء في "الدويرينه" طلعت بقرار إنه الرجل مو مجنون بمعنى الكلمة، إنما في عندُه (وَشّة) في الراس. إدارة "الدويرينه" ما بتسترجي ترجعُه لفرع الأمن العسكري. حكوا مع مدير صحة حلب، وهالمدير حكى مع قائد الشرطة، وفي النتيجة قرروا يرجّعوه عَ إدلب. وبالفعل بعتوه، وسلموه لقائد شرطة إدلب، اللي درس إضبارته ولاحظ إنُّه تهمتُه خطيرة، وبعتُه لعندنا ع السجن.
قال أبو زاهر: لما النظام السوري بيقول عن واحد إنه تهمته خطيرة بيكون كذاب طبعاً، وبتطلع بالأخير شغلة سخيفة وناكتة.
قال أبو الجود: أنا ما بعرف إذا كانت تهمة صديقي "أبو راس الدمخ" قوية ومحرزة ولا سخيفة وناكتة.. رايح إحكي لكم القصة وإنتوا بتحكموا عليها. هادا يا سيدي، في يوم من الأيام، راح "أبو راس الدمخ" ع السوق واشترى قَشّة خاروف، وقال لزوجتُه: اطبخي لنا إياها، أنا وإنتي والولاد من زمان كتير ما أكلنا دَسَمْ. زوجته أيدت كلامه، ونَفَّذِتْ المطلوب، وفي حدود الساعة تمانية المَسَا كان الطعام جاهز. وكانت زوجته من النوع الشاطر، فأضافت للقَشّة جوز ولوز وصنوبر، وعملتْ فتة، وغَرَّقِتْها بالسَمْنْ بالطحينة، ورشت عليها التوابل والبهارات لفتح الشهية. كتير انبسط صاحبنا "أبو راس الدمخ" وتشكرها لمرتُه، وباس إيدها، بس كان في عندُه ملاحظة زغيرة وهيي إنه تَنَاوُلْ الأطعمة الدسمة في السهرة بيكون مزعج، وبيكون مزعج أكتر لما بيكون الواحد مشتهي ع الزَفَرْ والدسم، ومحروم منه.. وهادا اللي صار، أخونا أبو راس الدمخ أكلْ من القشة والفتة بطريقة (إما قاتل أو مقتول)، وبعد أقل من ساعتين نامْ، وهوي ما كان قاصد ينام، لاكن الأبخرة تبع القشة طلعتْ إلى يافوخه، فـ انْسَطَلْ وانْدَرَخْ ونام.. وإنتوا بتعرفوا إنه الإنسان اللي بينام وهو مْتَقِّلْ بالعشا بيشوف منامات وحشة. بتعرفوا أيش شاف أبو راس الدمخ في منامُه؟
سألناه: أشو شاف؟
قال: اللهم عافنا شاف بنومه حافظ الأسد!
(في هذه اللحظة أعلن أبو محمد عن وصول العشاء وقرر أبو الجود إكمال القصة بعد العشاء).