الرئيس بخير عُقبال مصر

28 مارس 2021
+ الخط -

متى ينصلح حالنا؟ بالتأكيد يشغل بالك هذا السؤال كثيرًا، تردده لنفسك كلما اصطدمت بأحوالنا المقلوبة، أو حاولت أن تتحاشى الاصطدام بها، أو سألت الله أن يكفيك شر الاصطدام بها. قد يرى البعض أنه لن توجد أبدًا إجابة محددة لهذا السؤال المركزي المصيري الذي حارت البرية فيه، لكنني أحب أن أفاجئك بأنني أمتلك تلك الإجابة، ليست هذه جهالة مني أو محاولة لاستعراض عضلات فكرية متوهمة ولا حتى ادعاء بامتلاك الحقيقة، أنا أمتلك الإجابة، حتى اقرأ وشوف وحاسبني بعد القراءة.

سينصلح حالنا عندما تصحو يومًا من النوم وتمضي سائر يومك وصولًا إلى موعد نومك في المساء دون أن تسمع الجمل الآتية: "بناء على توجيهات السيد الرئيس، لقد أنعم الله على مصر برئيس عظيم وقائد حكيم، وقد تفقد سيادته موقع الحادث في لمسة أبوية حانية، بفضل السياسة الحكيمة التي ينتهجها السيد الرئيس، حفظ الله لمصر رئيسها"، وما إلى ذلك من العبارات التي تتردد في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية والمشمومة، تلك العبارات التي تشعر عندما تسمعها أن هذا الوطن متوقف وجودًا وعدمًا وتعاسة وفرحًا وعظمة وشقاءً على شخص واحد، السعادة يصنعها هو والشقاء يمسحه هو والإنجازات نابعة منه والإخفاقات ليس مسؤولًا عنها، كلامه حكمة وأحلامه أوامر وتوجيهاته حكيمة وقراراته تاريخية وزياراته حاسمة، يعدل الدستور وقتما يشاء ويضعه على الرف عندما يشاء، ليس من حق أحد أن يحاسبه أو يسأله عن قراراته أو يطلب فهمها، ليس من حق أحد أن يسأله عن ماله من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه، حاضر البلاد مرهون بإرادته ومستقبلها وقف على تفضيلاته واختياراته.

أليس هذا واقعنا بالله عليك؟ ألسنا نعيش هذه الحالة المأساوية؟ فكيف إذن نطلب التقدم وننشده ونسعى إليه؟ وكيف سينصلح حالنا ونحن نعيش زمن حكم الفرد الذي لم يعد له مكان إلا في أحط بقاع الأرض، وقريبًا لن يعود له مكان حتى في أحط بقاع الأرض؟ 

الرؤساء هناك يعملون عند الشعوب، ولدينا الشعب يعمل عند الرئيس

بالمناسبة مستعد لسحب كل كلامي هنا لو أتى لي أحد بسطر أو قصاصة ورق من أي صحيفة أو وسيلة إعلام في أي دولة انصلح حالها في الغرب والشرق، بها جملة من الجمل الآنفة المقرفة. بالطبع لن يجد أحد كلامًا من ذلك هناك على الإطلاق، ففي بلاد الله التي انصلح حالها لم يعد هناك رئيس ملهم ولا قائد تاريخي ولا زعيم أوتي الحكمة، الرؤساء بشر زائلون بالانتخابات وليس بعزرائيل، ولذلك فهم مخافة الزوال بالانتخابات، لا بد أن يذاكروا دروسهم جيدًا ويتحملوا مسئولياتهم بشجاعة، ولا بد أن يكون حولهم مستشارون لا يخافون من اطلاعهم على الحقيقة، ولا يختارون لهم من يقول لهم ما يريحهم، ولا بد أن يحسبوا حساب شعوبهم جيدًا في كل قرار يتخذونه، ويشرحوا لها لماذا اتخذوا هذا القرار ولماذا انتهجوا تلك السياسة. 

ببساطة، الرؤساء هناك يعملون عند الشعوب، ولدينا الشعب يعمل عند الرئيس، لدرجة أنك تشعر عندما تقرأ للكثيرين من كُتاب الصحف القومية، أو عندما تتابع أداء الإعلام الرائد سابقًا، الشفاف حاليًا، أن أهله يتصورون أن المواطن لا بد عندما يصحو من نومه صباحًا أن يسجد لله شاكرًا على أنه حباه برئيسه المحبوب التاريخي، ولا بد أن يسأل نفسه وهو على سجادة الصلاة أو وهو يصلي قبل تناول طعام الإفطار: "يا ترى سيادة الرئيس مبسوط النهارده؟ مزاجه حلو.. موده لطيف.. يومه عامل ازاي.. يا رب يكرمه ويرزقه برزقنا ويجعل استفتاحه لبن بإذن الله"، بينما الحقيقة أنه لا أحد يفعل ذلك حتى الذين مردوا على النفاق، فهم يصحون كأي إنسان طبيعي أو شاذ، كل منهم يفكر في حاله ومآله، وكيف سيمضي يومه على خير، وكيف سيسرق إذا كان حراميًّا في موقع المسؤولية، أو كيف سينجو من السرقة إذا كان مواطنًا، كل إنسان منغمس في مسؤولياته وهمومه ومشاكله، تمامًا كما ينبغي أن يكون الرئيس منغمسًا في مسؤولياته تجاه شعبه، وحاملًا لهمومهم ومشكلاتهم وأوجاعهم، وهو عندما يفعل ذلك ليس بحاجة لأن نشكره عليه آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيه عنا.

ليس معقولًا يا ناس أن يصبح كل ما يهم مسئولي هذه البلاد وموظفيها ومنتسبيها وأغلب كتابها وإعلامييها هو أن يكون الرئيس بخير حتى لو لم يكن الوطن كذلك. ليس معقولًا أن يكون مصير البلاد بيد شخص واحد في دولة يقولون إنها دولة مؤسسات، وإنها دولة متحضرة، وإنها تعبر إلى المستقبل. أي مستقبل هذا الذي يصنعه شخص واحد؟ أليس مُحزنًا أنك إذا سألت أحدًا في مصر عن مستقبلها سواء كان خراط مواسير أو خراط بنات أو وزيرًا سياديًّا أو زبالًا بمكافأة شهرية ستكون الإجابة واحدة لدى كل هؤلاء: "العلم عند الله.. ربنا يلطف بينا"؟! أليس مُخجلًا ألا تمتلك بلد علمت العالم الحكمة والحضارة والتوحيد إجابة توحد الله عن مستقبلها؟! 

دعونا يا قوم نصارح أنفسنا ونبحث عن إجابات لهذه الأسئلة، بغض النظر عن رأينا في الرئيس، وما إذا كنا نؤيده أو نعارضه، دعونا بالله عليكم نخرج من أحكامنا حول شخصه لنفكر بجدية في مستقبل بلادنا، دعونا نتذكر أن التاريخ سيسجل أن مصر عاشت سنوات طويلة كأنها عبارة تسبح في بحر المجهول، لا أحد على متنها يدري ماذا سيحدث لها بعد لحظات، وماذا ستفعل لو اندلع بها، لا قدر الله، حريق مفاجئ أو تعطلت أجهزة القيادة أو اكتشف ركابها أنها تسير بالبركة. 

التقدم لا يصنعه إلا أن يشعر كل مواطن أنه شريك في الوطن لا أجير في العزبة، وأن يدرك أنه قوي جدًّا لدرجة أنه يستطيع أن يحاسب أعلى رأس في الدولة ويحتج عليه ويحاكمه لو أخطأ

إنّ المؤسف أنّ حكام بلادنا يظنون أن تقدمها سيأتي بتغيير الديكور السياسي لها، تمامًا كما يظنون أن تغيير برامج التلفزيون يأتي بتغيير ديكوراتها، وشقلبة تسريحات مذيعاتها، وتغيير المتعهد الذي يورد بدل مذيعيها. بينما التقدم لا يصنعه إلا أن يشعر كل مواطن أنه شريك في الوطن لا أجير في العزبة، وأن يدرك أنه قوي جدًّا لدرجة أنه يستطيع أن يحاسب أعلى رأس في الدولة ويحتج عليه ويحاكمه لو أخطأ، بل ويزيحه عن منصبه عبر صناديق الانتخابات لو وجد أنه عاث في الأرض فسادًا أو أنه لم يحقق له ما وعده به، عندها فقط سيشعر الإنسان المصري بأن له قيمة وكرامة ولازمة، والإنسان الذي يشعر بأن له قيمة وكرامة ولازمة لا محالة سيؤدي أفضل أداء ممكن في حياته، وسيكون عضوًا فاعلًا في المجتمع لا مجرد كائن "مرنَّخ" يزحف ذاهلًا عن كل ما حوله، وعندها سيفعل المواطن المصري ما عليه من التزامات على أكمل وجه؛ لأنه سيضمن أنه عندما يطالب بنيل حقوقه كاملة سينالها، ولو أدى كل إنسان في بلادنا ما عليه من التزامات ولم يسكت على ضياع حقوقه لأصبحنا أعظم الأمم كما كنا، ولما تطلب منا ذلك قرونًا، بل لحدث التغيير في سنين تمامًا كما حدث في بلاد الله المتقدمة.

لكننا بصراحة وللأسف الشديد نشبه حكامنا، نحن مثلهم نفضل حكم الفرد على حرية الفرد، ونعشق سحق الحرية الفردية التي جاءت كل الأديان لتكرسها وسعت كل المذاهب الإنسانية النبيلة لإعلائها، ولذلك نقمع بعضنا البعض ونتخلى عن حرياتنا التي فطرنا الله عليها، من أجل أن تكون هناك حرية وحيدة لفرد واحد يتصرف كيف يشاء ويفعل بنا ما يشاء، ونضع أيدينا على خدودنا منتظرين ما سيفعله لكي نحدد مستقبلنا ومصيرنا، لو قرر أن يحارب ويغامر بالبلاد فليفعل، ولو قرر أن يسالم وينبطح فليفعل، ولو قرر أن يعدل الدستور فليعدله، ولو قرر أن يدعق الدستور فليتدعق الدستور، يفعل بنا ما يشاء، تاركين للأقدار أن تفعل به ما تشاء، ثم نظن أننا سنورد على جنة، ونحسب أنفسنا بشرًا، مع أن البشر من غير حرية ليسوا أكثر من سوائم. والغريب أن حكامنا وكتابهم وإعلامييهم لا يملون برغم كل هذا من الحديث عن عظمتنا وتفوقنا وحلاوتنا وجدعنتنا، مع أن الأمة التي يرتبط مصيرها بمصير شخص واحد هي أمة بائسة وثكلتها أمتها.
...
نشرت هذه السطور في صحيفة "الدستور" في أكتوبر/ تشرين الأول 2007، وللأسف لا زالت صالحة للنشر من حيث المضمون، أما من حيث إمكانية النشر داخل مصر فقد أصبح ذلك في عداد المستحيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.