الحروب الخاصة ضد النساء: عمليات التجميل مثالاً

18 أكتوبر 2022
+ الخط -

تميل غالبية البشر إلى محاكمة النساء اللائي يغيرن أشكالهن أو أزياءهن أو يتبعن الموضة بشكل مبالغ به، أو يخرجن عن الصورة النمطية العامة بشكل عام، وخاصة من تقوم منهن بإجراء عمليات تجميل بشكل خاص، بغض النظر عن سؤال ضرورة هذه العمليات أو مبرراتها.

في ظل نظام استهلاكي يحصي بسعادة ووحشية كبيرة عائداته التسويقية من الاستثمار في أجساد النساء والفتيات، تُفرض غالبا وبشكل متجدد تبعا لغريزة السوق الوحشية وتجار البشر، صورة نمطية لشكل محدد يتواصل تغييره والعبث به لمواكبة عملية تسليع النساء، والفوز بأرباح تتعاظم يوميا ولو خلفت وراءها آلاف الضحايا.

يرغب عدد كبير من النساء بإجراء تغييرات في أشكال وجوههن وأجسامهن، فهل هذه الرغبات مشروعة؟ مبررة؟ لا جواب حاسماً هنا، تبدو هذه العمليات تجارة من نوع خاص وليست استطبابا فقط! تتذرع البعض منهن بحالات مرضية، وتبرر أخريات لجوءهن إلى ذلك تلبية لرغبات الأزواج الحاليين، أو الأزواج المستقبليين، وربما الشركاء، والأكثر امتهاناً هو كونها تلبية لحاجة السوق! سوق الاستعباد.

تتغير الصورة النمطية للنساء، ويتغير معها معنى الجمال ومفهومه وأشكاله، والأهم أن سوقاً خطرة ولاإنسانية تزدهر. حروب خاصة تدور رحاها على أجساد النساء، لا أحد يحاسب! لا أحد يسأل لماذا! وإن تمت معرفة الأسباب يكون التبرير لصالح الأقوى، والأقوى هنا هو المالك، المتصرف، الموحي، المستثمر والمتنمر أيضاً، وليس لصالح النساء أبداً.

قد تقول أخرى: إنها مجرد ضعف ثقة بالنفس! ويقول آخرون: إنها تجارة مزدهرة تؤمن المداخيل لعدد كبير من العاملين والعاملات فيها

خضعت رولا لعدة حميات غذائية قبل زواجها، وفقدت الكثير من وزنها قبل موعد زفافها، لتكون عروساً حقيقية كما كانت تردد! بعد ولادة طفلها الأول قررت إجراء عملية شفط دهون، قالت: إنها قد أعطت لنفسها ولجسدها فترة طويلة من الراحة والاسترخاء خاصة بعد حملها، لكنها الآن وبعد شهرين من ولادة طفلها الأول، وبإصرار غريب قررت إجراء العملية دون موافقة زوجها ولا طبيب النسائية، ودون علم أهلها، حددت موعد العملية، تركت زوجها مع طفلها وذهبت برفقة صديقتها، نبع إصرارها من شعور عميق تصر على إعلانه، بأن زوجها يرفض جسدها المترهل، والذي زاد وزنه أكثر من عشر كيلوغرامات.

لكن القصة لم تنته كما شاءت رولا، التي تعرضت لإصابة خطرة بعد العملية بساعتين كادت أن تودي بحياتها جراء تشكل خثرة دموية سببت لها صدمة صحية واضطرت للبقاء في المشفى لأسبوع كامل، فقد طفلها بسببه إمكانية الرضاعة الطبيعية منها، قاطعها والداها، أما زوجها فقد أزبد وأرعد وتوعد بالطلاق البائن والهجر المبين في أحسن الأحوال.

لم يتذكر أحد منهم كم مرة وصفوها بالحيوانات البدينة وإن بتحبب مخادع، تناسوا إشاراتهم المتكررة لبطئها في السير، تحميلهم لها مسؤولية احتمال وفاة طفلها أثناء الولادة، معايرتهم لها بشقيقاتها أو شقيقات زوجها، بزميلاتها في العمل وبجاراتها وصديقاتها. أخطأت حين قررت بسرعة، لكن ما ظنناه سريعا كان يتراكم عبر سنوات طويلة من التشهير والحصار، حتى حاصروها داخل جسدها فخانها بخثرة عابرة كادت أن تكون قاتلة.

في الحروب الخاصة التي تدور على أجساد النساء، تلعب النساء دور الجنود المهزومين دوما. أذكر ذات يوم حين ذهبت لأحد صالونات الحلاقة توافد عدد كبير من الفتيات، والأصح أنهن طفلات، يبدو جليا أنهن عاملات في مركز تسويقي معين، وربما أسوأ من ذلك. كانت معهم مرافقة منحت للفتيات العاملات في الصالون رسما فنيا ركيكا لشكل حواجب كل واحدة منهن وشكل قصة الشعر ولونه وطوله، لا خيار للفتيات في أي شيء، فتيات بعمر النضارة، ولا وجود للشيب في رؤوسهن، لماذا الصبغات وتغيير ألوان الشعر إذن؟ إرضاء لرغبة متسوق أو زبون أو مدير أو صاحب عمل ليس إلا.

في زحمة حمى الاستهلاك، يبرز تنافس ما على ألقاب مزيفة، ألقاب على النساء القتال وقبول خوض المعارك للفوز بها، على النساء التخلي عن صورهن الحقيقية لاكتساب صور ترضي قادة الساحات المتناحرة، أصحاب الأسواق القائمة على تسليع النساء واستباحة كراماتهن ورؤيتهن لذواتهن وقتل حتى رغباتهن في ما سيكنّ عليه.

لعمليات التجميل أبعاد واسعة وكبيرة، قد يقول أحدهم: إنها الغيرة لا غير! وقد تقول أخرى: إنها مجرد ضعف ثقة بالنفس! ويقول آخرون: إنها تجارة مزدهرة تؤمن المداخيل لعدد كبير من العاملين والعاملات فيها، ومن يملك الكثير لن يخسر شيئا، فلماذا تشعلون نارا قد تحرم الكثيرين من قوت أسرهم ومصادر عيشهم؟

اصطحبت لينا ابنتها للمرة الثالثة إلى عيادة طبيب الأنف والأذن والحنجرة، كان يعتذر منها بسبب أن ابنتها ما زالت دون الثامنة عشرة من عمرها، لكنها مصرة على أن يصبح أنف ابنتها كأنف فنانة مشهورة، ومستعدة للدفع، متجاوزة واجبها الأمومي بحماية طفلتها، ومتجاوزة حتى النصيحة الطبية، وفي المرة الأخيرة قالت للطبيب في محاولة منها لكسب تعاطفه، وبالتالي قبوله بإجراء العملية: مسكينة ابنتي هي الوحيدة التي ورثت شكل أنف والدها دونا عن كل نساء وفتيات العائلة ذوات الأنوف المرغوبة والجميلة.

يحتدم الصراع ما بين الرغبات والحقوق حسب سلطة الأقوى المتحكم، وما بين الرضا الشخصي والرضوخ للصورة النمطية التسويقية المستبيحة للإرادة وللشكل ولحرية الوجود، وتتحول النساء إلى مجرد جدول عروض عليها أن تلبي شروط الطلبات وأصحابها، بصورة قاهرة وخطيرة جدا، حتى وإن ترافقت بعض عمليات التجميل بادعاء الرضى أو بزعم ضرورة الحماية وتحقيق المصلحة الشخصية المباشرة.

سلوى زكزك/ فيسبوك
سلوى زكزك
مدوّنة سورية تقيم في دمشق. تكتب مقالات وتحقيقات صحافية. وصدرت لها ثلاث مجموعات قصصية. تكتب في مواضيع النسوية والجندر وتهتم بقضايا العنف الاجتماعي.