التنظير والوصاية بين دين الصحافة ورب الكلمة!
من ربك؟
سيدي الإله، لا أعلم هل أنت يسوع المسيح أم أي إله من آلهة ديانات الأرض، لكني متيقنة أنك رحيم، وأني لم أظلم أحداً ولم أكذب، ولكن كنت مؤمنة بقضيتي ووهبت لها كلمتي وصوتي، كل مشكلتي أني كنت أحب وطني، أليس الدين يبعث في نفوسنا حب الوطن، ألم يحزن المسيح في رحلة العائلة المقدسة، وألم يكن رسول الإسلام تعيساً مهموماً بسبب حب وطنه -مكة- ألم يقل في هجرته: يشهد الله أنه لولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت..؟
وهكذا كنت أطوع مجهودي الصحافي في حب الوطن، لأخدم قضية وطني المغتصب، ربي إني أسلمت نفسي بين يديك، فافعل بي ما تشاء ولكني راضية عن نفسي، راضية عن نقل الخبر وترويج الأحداث والجرائم التي يفعلها قوم أنت أعلم ببطشهم في قوم أنت أعلم بحالهم.
لذلك ربي هو كلماتي التي كانت تنصر قضية وطني، فسعيت دوماً لتقديس الكلمة، وتوثيقها بالصورة ليعلم العالم كله فضائح الجرائم المرتكبة في وطني.
ما اسمك؟ وما دينك؟
شيرين نصري أنطون أبو عاقلة، فلسطينية أبًا عن جد، ولدت بجوار المسيح في رحاب القدس على مقربة من المسجد الأقصى، درست الهندسة المعمارية في بلد مجاور يسمى الأردن، ولكن حظي من الدنيا أوقعني في حب العمل الصحافي، لذلك انتقلت إلى تخصص الصحافة والإعلام، كنت أقف والرصاص يحاوطني في كل اتجاه لكي أنقل لعبادك الصالحين والطالحين صورة وطني المغتصب.
دور المفكرين والمثقفين الآن أن يتوقفوا عن تداول الثقافة في ما بينهم، وعليهم أن يأخذوا الثقافة بكل ما فيها وينقلوها إلى الشارع
قمت بتغطية الانتفاضة الفلسطينية عام 2000، واجتياح مخيم جنين عام 2002، وأجريت مقابلات مع الأسرى في سجن عسقلان، ونقلت الصورة الهمجية لقوم أنت أعلم ببطشهم يطردون قوماً أنت أعلم بحالهم من بيوتهم في حي الشيخ جراح، فأنا مراسلة صحافية، ديانتي الأولى الصحافة والإنسانية.
هل آذيت نفساً خلقتها متعمدة؟
لا، لقد كنت حريصة في تعاملي مع غيري، كنت مخلصة لمن أحب، مسامحة لمن لا أحب، إلا هؤلاء الصنف من عبيدك الذين يتسلطون على أهلي ويغتصبون وطني، كنت لهم إسفيناً في مقاعدهم شاهدة على بطشهم واعتدائهم -إذا كنت تصنف فضح جرائمهم أذى-.
ادخلي الجنة بسلام يا شيرين
سيدي الإله إني لا أريد تلك الجنة المزعومة التي يحشر فيها من يكفرون غيرهم، ولا يترحمون عليهم، إني أريد رحمتك التي يختصون بها أنفسهم.
رحمتي وسعت كل شيء وما دام لم تكوني سبباً في أذى أحد، فأنت في جنتك التي ترغبين فيها.
لكن ماذا عن عبادك الذي أنت أعلم ببطشهم؟
كما أنا رحيم لمن يتراحمون في ما بينهم، فأنا لمن سواهم.
انتهت المسألة وماتت شيرين أبو عاقلة، ولكننا قوم عاطفة تركنا الدنيا والقضية التي كانت تناقشها وراحت حياتها لها، وأصبحنا أوصياء الله على خلقه في الدنيا والآخرة، لأن بلادنا العربية تعشق التصنيف، والتحزب والتعصب وليس الديني فقط، ولكن التعصب بكل أشكاله لأنّ المجتمع يرى بطريقة مباشرة أو غير مباشرة أنّ في التصنيف أفضلية تجعل فرقة أحسن من فرقة، وبالتالي كل واحد يرى نفسه الفرقة الناجية، لذا التصنيف والتعصب توغل في مقتل، سواء كان تعصباً عائلياً أو تعصباً كروياً أو سياسياً أو دينياً أو جنسياً إلخ..
لكن ما باليد حيلة ماذا ننتظر من مجتمع كان يسخر من طه حسين ويقول له: "الوزير الأعمى". مجتمع كفر فرج فودة، ونجيب محفوظ، ونصر حامد أبوزيد، وزكي نجيب محمود وغيرهم، هل ننتظر من مجتمع أصابه العطن الفكري أن يترحم على موت صحافية ماتت في خدمة وطنها؟ دور المفكرين والمثقفين الآن أن يتوقفوا عن تداول الثقافة في ما بينهم، وعليهم أن يأخذوا الثقافة بكل ما فيها وينقلوها إلى الشارع، يخاطبون بها الجهلة.
ندوة المثقف أو المفكر دوماً في أماكن مخصصة ويحضرها القراء والمثقفون فقط، لكن خطبة الجمعة في كل مكان وتحضرها كل المستويات الفكرية: الجهلاء، والأميون، والمتعلمون والمثقفون، كل قناة تلفزيونية يتربع فيها برنامج ديني، في حين ينعدم برنامج واحد يناقش الثقافة، لا يوجد مفكر أو كاتب يطل حتى كل فترة لكي يناقش أفكاره في برنامج، لذا سيظل المثقف صوته "واطي" بجوار صوت رجل الدين، وصوت رجل الدين يقول: لا يجوز الترحم على غير المسلم.