التعليم العالي العراقي وضرورة تحديثه
إنّ الشروع في رحلة الدكتوراه أمر مرهق لأيّ شخص، وتجربتي في العراق كانت تتضمن مجموعة فريدة من التحديات التي دفعتني إلى أقصى حدودي، حيث نظام الدراسة في مرحلة الدكتوراه يتبع النظام الأميركي، فهناك دروس فصلية يتبعها الامتحان الشامل الذي يتضمن مواد امتحانية شاملة للبكالوريوس والماجستير والدكتوراه معاً. كان هذا الامتحان الشامل، والذي يعقب فترة الدراسة الفصلية، مع مصفوفاته المعقدة والقيود الزمنية الصارمة، بداية لطريق طويل وشاق. يتناول هذا المقال رحلتي الشخصية، والتناقض الواضح الذي واجهته أثناء دراستي في الخارج، وتأثير الأساليب التعليمية على التقدّم العلمي.
بينما كنت منغمساً في دراسة الدكتوراه في العراق، واجهت عقبة كبيرة أثناء الامتحان الشامل. تخيّل أن تواجه مصفوفات ضخمة، تتجاوز أبعادها 20 في 20، ويُتوّقع منك حلّها عقلياً في أقل من 10 دقائق؟! كان الضغط شديداً، ويزيد على ذلك حظر استخدام الآلات الحاسبة، باستثناء النماذج العلمية الأساسية المحدودة، إلى حلّ المصفوفات بأبعاد 3 في 3 فقط.
أثبتت هذا الصرامة الأكاديمية وجود عقبة كبيرة أمام التعليم والنمو الفكري. فغياب الأدوات والموارد المتقدّمة يعيق القدرة على الاستكشاف والمواكبة لحداثة المفاهيم الرياضية المعقدة. وعلاوة على ذلك، فإنّ القيود الزمنية المغالية في تعصبها واستحالتها، والتي يفرضها الامتحان، لا تترك مساحة كافية للتحليل العميق والفهم الشامل، وحلّ المشكلات بطرق مبتكرة. أليس الابتكار وتنمية الفكر النقدي، من أهداف التعليم الجامعي!؟
آنذاك، في الامتحان تذكرت فيلم "ستار تريك"، ففيه اختبار سيناريو كوباياشي مارو (سيناريو عدم الربح) الذي يستحيل الفوز فيه، ما يدفع الطلاب إلى التفكير خارج الصندوق وإيجاد حلول بديلة. بالمثل، شعرت بأنّ تجربتي في العراق، وكأنها كوباياشي مارو تعليمي، حيث كانت الظروف ضدّي والأساليب التقليدية تبدو محدودة. وعلى الرغم من هذه الصعوبة، اجتزت الامتحان من المحاولة الأولى، مع عدم اقتناعي بالجدوى الفعلية ونفع تلك الظروف الامتحانية.
القيود الزمنية المغالية في تعصبها واستحالتها، والتي يفرضها الامتحان، لا تترك مساحة كافية للتحليل العميق والفهم الشامل، وحلّ المشكلات بطرق مبتكرة
خلال رحلتي العلمية الثانية إلى الخارج، أدركت الفجوة الواضحة بين أنظمة التعليم. فمن خلال السفر إلى بلد مختلف، انفتحت عيناي على التباينات في الموارد التعليمية وأساليب التدريس. فعندما وصلت إلى هذه البيئة الأكاديمية الجديدة، لم أصدّق أنّني رأيت طلابًا مجهزين بآلات حاسبة متطوّرة قادرة على التعامل مع العمليات الرياضية المعقدة بسهولة! في هذه الأثناء، تذكرت تجربتي في العراق والصعوبة التي واجهتها في الحسابات العقلية في كلّ مراحل التعليم، ومنها الدكتوراه.
يجب أن نواجه الحقيقة أيّها القارئ العزيز: نظام التعليم في بلدي كان ولا يزال يتأخر، وفي حين استفاد الطلاب في البلدان المتقدمة من اعتماد حسابات تقنية متقدمة في التعليم منذ سن مبكرة، نحن، كنّا، ولا نزال، نتعثر في أساليب التدريس القديمة. فالتباين الواضح في الموارد التعليمية والأدوات يبرز العقبات التي واجهتها في العراق ويعيق التقدّم العلمي.
جعلتني تجربة المعاناة من خلال نظام تعليمي قديم أشكّك في فعالية هذه الأساليب التعليمية. فالتركيز على الحسابات العقلية في ظلّ الموارد المحدودة، يضرّ بتقدّم المعرفة العلمية والابتكار. وحين رصدت التقدم العلمي السريع والمواكب للعصر في البلدان التي اعتمدت أدوات وآلات حاسبة تعليمية متقدمة، شعرت بأنّ النهج التعليمي في العراق يعيق تقدمنا. ففي البلدان المتقدمة، يتعرّض الطلاب في سن مبكرة لآلات حاسبة حديثة، ما يعزّز فهمهم العميق للمفاهيم المعقدة ويُمكنهم من التصدّي لتحديات أكبر في سن مبكرة، ويتيح هذا التعرّض المبكر بناء قواعد قوية بما يمهد الطريق لتقدّم علمي رائع.