الانتخابات في مصر: من الفائز؟
تنطلق الانتخابات الرئاسية في مصر الأحد، وسط ترقب شعبي لما سيتخذه الرئيس المقبل من قرارات شأنها مفاقمة الأزمة المالية والاقتصادية، وذلك بحسب توقعات الخبراء والمتخصصين، فالكل ينتظر تطبيقاً صارماً لشروط صندوق النقد المتشددة، وتعويماً جديداً للجنيه، وسط أحداث دولية ملتهبة تعقد مهمة الحاكم.
جهود كبيرة تبذلها أجهزة الدولة لتقنعنا بحقيقية السباق، ورغم ذلك لم تنجح في استمالة الجماهير التي غالباً ما ستفارق اللجان الانتخابية ليكون مشهداً غير مشرف، في دلالة تشير لعدم اكتراث الشارع كثيراً بما ستسفر عنه تلك المعركة، دلالة تقول إن اهتمامات البسطاء بعيدة كل البعد عما تروجه الدولة، لا سيما بعد أن أصبحوا عاجزين عن توفير الالتزامات الضرورية في ظل أسعار تقفز كل يوم، ولا تدخل حكومياً لكبحها.
الطفل في مهده والحطابون في الجبال يعلمون بفوز الرئيس عبد الفتاح السيسي، أمام المرشحين، فريد زهران والثاني رئيس الحزب المصري الديمقراطي عبد السند يمامة رئيس حزب الوفد أقدم الأحزاب الليبرالية المصرية، والثالث حازم عمر، رئيس حزب الشعب الجمهوري. ولكن الإعلام ينتظر النتيجة ليخبرنا أنها مفاجأة في انتخابات حرة نزيهة، وغالباً لن يفوز فيها الرئيس السيسي بـ99 في المائة كالدورات السابقة، فربما تكون النسبة أقل من ذلك بكثير لإضفاء المصداقية المفقودة.
حرص الإعلام المصري على أن يصدر لنا مرشحي الرئاسة كمنافسين حقيقيين، يهدفون إلى الفوز بحكم مصر وإعادتها إلى طريق الصواب
حرص الإعلام المصري أن يصدر لنا مرشحي الرئاسة كمنافسين حقيقيين، يهدفون إلى الفوز بحكم مصر وإعادتها إلى طريق الصواب. كما عبر أحدهما في حملته الانتخابية التي حضرها بعض من أقاربه بتصريح من الجهات المعنية.. فبعد منع منافسي المعارضة الحقيقيين من دخول السباق يريدون الترويج لصدق الحدث. وفي سياق ذلك، أصدرت الهيئة العامة للاستعلامات بياناً تخبرنا فيه: "مصر تشهد مرحلةً مهمةً وفارقةً في تاريخها السياسي، باستحقاق الانتخابات الرئاسية 2024، التي تُعد خامس انتخابات رئاسية تعددية تشهدها البلاد في تاريخها الحديث". ذلك البيان الذي لا ينطلي على عاقل يخاطب شعباً هو الوحيد الذي يعرف نتيجة أي معركة انتخابية مسبقاً لما تتميز به الحياة السياسية من شفافية مطلقة وتعددية حقيقية!
وفيما أعدت غرفة عمليات للرد على استفسارات الإعلام الأجنبي، أكدت أن الانتخابات "تكتسب أهمية إضافية من كونها خطوة رئيسية في مسار الدولة الجاد نحو التحول الديموقراطي والتعددية الحزبية والتنافسية السياسية، والتي أتت بعد عام ونصف العام من حوار وطني جاد وغير مسبوق، شمل كل مكونات المجتمع المصري السياسية والنقابية والأهلية".
البيان يشمل اعترافاً ضمنياً بأن 10 سنوات من حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي لم تنجح في ترسيخ التحول الديمقراطي والتعددية الحزبية والتنافسية، ولم لا فالمرشح الحقيقي الوحيد الذي كان سيضفي على الانتخابات مصداقية، تمت إطاحته به من السباق قبل أن يبدأ، فيد الدولة الطولى منعت أحمد الطنطاوي من استكمال التوكيلات اللازمة لبدء المنافسة، كما تتم الآن محاكمته بتهمة التزوير.
أصدرت منظمة العفو الدولية بياناً نددت فيه بتكثيف السلطات المصرية القمع ضدّ المعارضين السياسيين والمحتجين السلميين وغيرهم من المنتقدين
في غضون ذلك، أصدرت منظمة العفو الدولية بياناً نددت فيه بتكثيف السلطات المصرية القمع ضدّ المعارضين السياسيين والمحتجين السلميين وغيرهم من المنتقدين، وذلك قبيل الانتخابات التي تصفها هيئة الاستعلامات بالخطوة الجادة نحو التحول الديمقراطي.
بداية من أكتوبر/ تشرين الأول تم اعتقال أكثر من 200 شخص بتهم الانخراط في أنشطة متعلقة بالإرهاب ونشر أخبار كاذبة، التي بالمناسبة قد تكون منشوراً على وسائل التواصل الاجتماعي يدعم فيه أحمد الطنطاوي، الذي تتم محاكمته مع عشرات من حملته الانتخابية كنوع من التأديب على جريمتهم التي تمثلت في ممارسة حقهم الطبيعي ودعم مرشح بعينه، وإرسال رسالة مفادها: "لا نسامح مطلقاً مع هؤلاء الحالمين بتعددية حزبية وديمقراطية حقيقية".
المنظمة قالت إن قبضة السلطة القامعة الخانقة لا تطاول الذين يتجرؤون على تصور مستقبل سياسي بديل فحسب، بل أيضًا أولئك الذين حادوا عن الخطاب الذي تدعمه الدولة ومناطق الاحتجاج المحددة، خلال تعبيرهم السلمي عن التضامن المؤيد للفلسطينيين، مطالبة بوضع حدًا لحملة القمع.
ولا ينتظر المصريون إعلان المرشح الفائز فالجميع يعلم النتيجة مسبقاً كما أسلفت. ما ينتظره المواطن هو كم نسبة الزيادة في أسعار المحروقات وتكلفة فاتورة الكهرباء الجديدة، وكم في المائة نسبة تعويم الجنيه مقابل الدولار، وكم حجم القروض الجديدة التي ستعتمدها إدارة الرئيس عبد الفتاح السيسي في 2024، كذلك ينتظر رجال الأعمال وكبار القوم معرفة الضرائب والرسوم التي ستفرض على شركاتهم وأعمالهم، وكم شركة جديدة سيتم بيعها، وكم ميناء سيتم الاستحواذ عليه بدواعي التطوير.
جميعنا ننتظر قرارات صعبة تفاقم الأزمة التي هي امتداد لانسداد في الأفق السياسي منذ 2013، فالمعضلة الآن لم تعد تتمثل في معرفة الفائز ومن يخرج من السباق، ولكن أصبح السؤال المهم يدور حول قوتنا في تحمل مزيد من التضييق الأمني وزيادة أعداد المعتقلين من هؤلاء الذين سيتضجرون من قرارات مؤلمة على الصعيد الاقتصادي والتأزم السياسي.