الإعلام المغربي وتصريحات ماكرون ضد المقاومة
في خطوةٍ أثارت جدلاً واسعاً، وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال خطابه أمام البرلمان المغربي عملية "طوفان الأقصى" بـ"الهجوم البربري والإرهابي". وجاء هذا التصريح وسط تصفيق نواب الأمّة المغربية، بما يتعارض مع قناعة غالبية الشعب المغربي، الذي يرى في 7 أكتوبر/ تشرين الأوّل 2023 يومًا للمقاومة الفلسطينية ونجاحًا يعزّز صمود الشعب الفلسطيني. هذا الحدث يثير تساؤلات عميقة حول مواقف بعض النخب المغربية والإعلام الوطني من زيارة ماكرون وتناقضاتهم الواضحة تجاه تصريحاته حول القضية الفلسطينية.
التناقض في التعاطي الإعلامي والمواقف النخبوية
رغم أهمية تصريحات ماكرون وحدّتها، تجاهلت معظم وسائل الإعلام المغربية تحليل هذا الموقف، ولم تبرز آراء المحللين أو النقاد حول وصف ماكرون المقاومة الفلسطينية بالبربرية، واكتفت بتحليل تصريحاته حول مغربية الصحراء وسبل الاستثمار بين البلدين.
في المقابل، سبق أن هاجمت أغلبية المنابر الإعلامية المغربية وعدد من المحللين السياسيين الدعوات القوية لمقاطعة زيارة الرئيس ماكرون إلى المغرب، مبرّرةً ذلك برأيه السابق حول الأحداث في قطاع غزّة، ومعتبرةً أنّ الزيارة قد تتعارض مع موقف المغرب الثابت والداعم للقضية الفلسطينية. كما وصفت المنابر الإعلامية المغربية هذه الدعوات بالعشوائية والضارة بالمصالح الوطنية، وأنّ زيارة ماكرون لا تتعارض مع الرأي المغربي حول الأحداث الجارية في فلسطين.
هذا التباين في التغطية الإعلامية يثير التساؤل حول جدية الإعلام المغربي في التعامل مع قضايا السيادة الوطنية والتضامن الشعبي. فبدلاً من انتقاد تصريح ماكرون بوضوح أو تقديم تحليلات حول تأثير تصريحاته على مشاعر الشعب المغربي، فضّلت المؤسسات الإعلامية المغربية الصمت، مكتفيّةً بتغطية الحدث دون التطرّق إلى تبعاته.
ازدواجية المعايير
تتجلّى ازدواجية المعايير هذه بوضوح إذا ما قارنا تعامل الإعلام والنخبة مع تصريحات ماكرون حول زلزال الحوز، حيث انتفض الإعلام المغربي وبعض النخب الثقافية موجّهين انتقادات شديدة اللهجة للرئيس الفرنسي واعتبروا تصريحاته تدخلاً في الشؤون السيادية للمملكة. في ذلك الوقت، تمّ اتهام ماكرون بالمساس بسيادة المغرب، ما أظهر حساسية شديدة تجاه أي تصريح قد يُفسَّر بأنّه انتقاص من هيبة الدولة.
توصيف المقاومة الفلسطينية كحركة "إرهابية" يمسّ بمشاعر غالبية الشعب المغربي الداعم للمقاومة
ومع ذلك، نلاحظ أنّ التعامل مع تصريحاته حول المقاومة الفلسطينية لم يحظ بنفس الحساسية، رغم أنّ توصيف المقاومة الفلسطينية بحركة "إرهابية" يمسّ مشاعر غالبية الشعب المغربي الداعمة لها. ويطرح هذا التباين أسئلة حول أسباب هذا الصمت، وهل يرتبط ذلك بتوجهات سياسية أو ضغوط من جهاتٍ معينة.
زيارة ماكرون وضرورة توخي الحذر
لا شك أنّ العلاقات الدبلوماسية بين الدول تحتاج إلى مواقف متزنة تتسم بالدبلوماسية، خصوصًا أنّ العلاقات الدولية تُبنى على المصالح المتبادلة وليس على الحبّ أو الكراهية، وبالتالي، إنّ زيارة الرئيس ماكرون إلى المغرب في الوقت الراهن أمر جيّد للمغرب، اقتصاديًا وسياسيًا، خصوصًا في ملف الصحراء المغربية. لكن، كان ينبغي، من وجهة نظري، توجيه رسالة عبر القنوات الدبلوماسية إلى الجانب الفرنسي بشأن القضايا التي تُعتبر حسّاسة بالنسبة للشعب المغربي، ليتم تفادي الأمر.
أخيرا، يمكن القول إنّ الإعلام محرّك أساسي لنقل آراء الشعب وتوجيه رسائل واضحة حول مواقفه. وبالتالي، كان يلزم عليه التعامل مع هذه التصريحات بشكل حازم، أو على الأقل تسليط الضوء عليها في الإعلام الوطني، من دون اللجوء إلى الهجوم المباشر على الرئيس الفرنسي أو التقليل من أهمية زيارته، حفاظًا على المصالح العليا للبلاد، وهذا من أكبر واجبات الإعلام الوطني.
كما يحتاج الإعلام المغربي اليوم إلى إرساء معايير مهنية تتسم بالحيادية، تتيح له تناول مثل هذه المواضيع بموضوعية، حفاظًا على مصداقيته أمام جمهوره. إنّ الالتزام بهذه القيم من شأنه أن يعزّز الثقة بين الإعلام والمتابعين ويؤكد وقوف الإعلام بجانب القضايا التي تهم الشعب المغربي بعيداً عن الحسابات السياسية.
إنّ تجاهل الإعلام المغربي تصريحات ماكرون المثيرة للجدل حول المقاومة الفلسطينية يفتح باب التساؤل حول دور الإعلام بصفته مرآةً لرأي الشعب وصوته المعبّر عن قضاياه المصيرية. كما أنّ ازدواجية التعامل الإعلامي مع تصريحات ماكرون يضعف الثقة بين الإعلام وجمهوره، ما يجعلنا أمام حاجة ملحة لإعادة تقييم أداء الإعلام في مواجهة القضايا الوطنية بشكلٍ يضمن احترامه المهنية وقربه من نبض الشارع.