استبعاد النساء من الوظائف
يوم السبت الموافق الثاني من شهر يوليو/تموز 2022، أعلن الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة في مصر عن مسابقة لتعيين نحو 30 ألف مدرّس مساعد في وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني. وبحسب بيان وزارة التربية والتعليم، فإنّ المسابقة تأتي وفقًا لتوجيهات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بتعيين حوالى 150 ألف مدرّس ومدرسة في هذا القطاع الحيوي.
وأعلنت الوزارة أنّها، وفقًا لتوجيهات الرئيس، تحتاج إلى معلمين ذوي فكر مختلف ويتمتعون بقدرات مهنية ومهارية تتناسب مع قطار التغيير. ولكن العجيب أنّ كثيرين، وأغلبهم من النساء، فُوجئوا باستبعادهم من التعيين لأسباب تمييزية واضحة، في مخالفة للدستور والقانون. هذه الأسباب تتعلّق بالوزن الزائد والحمل والولادة الحديثة والطول!
المدهش في المسابقة أيضًا، هو الامتحانات التي عقدتها الكلية الحربية للمتقدّمين والمتقدّمات للوظيفة، تحت ما يسمّى باختبارات اللياقة الطبية والبدنية والذهنية. ووفقًا للمبادرة المصرية: "في خطوة غير مقرّرة بالإعلان الرسمي عن المسابقة، أجبر وزير التربية والتعليم الالتحاق بدورات تدريبية معدّة من قبل الكلية... تمت الدورات على ثلاث مراحل". تضمنت المرحلة الأولى، توقيع الكشف الطبي على المتقدّمين والمتقدمات للوظيفة، ومن اجتاز الكشف نُقل إلى المرحلة التالية، وهي اللياقة الرياضية، وتمّ إعفاء الحوامل والنساء حديثة الولادة والمعلمين والمعلمات مرضى الأنيميا. أمّا المرحلة الثالثة فهي الجري والوثب والضغط والبطن والتوازن، وحضر ممثل عن الوزارة وقادة عسكريون، وأعلنت الوزارة قبول 14 ألفاً، مما يعني استبعاد نحو 16 ألفاً، وذلك لأسبابٍ طبية ورياضية.
وفقًا للمبادرة المصرية أيضا، برّر السيسي خضوع المرّشحين للتعيين في مسابقة المعلمين لاختبارات داخل الأكاديمية العسكرية، بالبحث عن أفضل العناصر. مضيفًا خلال جلسة "بناء الإنسان" ضمن فعاليات يوم الاحتفال بتفوّق طلاب مصر في سبتمبر/أيلول الماضي 2023، "المعلم اللي أنا محتاجه في المدرسة عايز أعرف مهاراته عاملة إزاي، انتماءاته عاملة إزاي، فكره عامل إزاي.. أنا هسلم ولادي للمعلم ده.. أنا عايز جهاز إداري منضبط، ودي مش عسكرة".
لم يقل أحد إنّها عسكرة، ولكن السيسي يعرف أنّها عسكرة للوظائف المدنية. هو يتحدث بمنطق "اللى على رأسه بطحة". فما دخل الكلية الحربية، ووجود عسكريين في امتحانات لمدرسين ومدرسات في القطاع الحكومي؟ إن لم تكن هذه عسكرة، فما هي العسكرة؟
غالبية المستبعدين من الوظيفة هم من النساء، وذلك لأسباب: الحمل، حديثات الولادة، الوزن الزائد، الأنيميا، فشل في اجتياز اختبارات اللياقة البدنية
تقدمت المبادرة المصرية بالطعن على القرار، لأنّ الجهة الإدارية "أخلَّت بالمبادئ الدستورية وامتنعت عن تعيين المدعيات بوظيفة معلم مساعد، وتخطتهن في التعيين وحرمتهن من حقهن الذي كفله الدستور". وأوضحت المبادرة في صحيفة الدعوى أنّ "إدخال جهة غير مختصة (الكلية الحربية) ومنحها صلاحية فرض اختبارات تفتقر إلى المشروعية، يمثل إساءة استخدام السلطة، فقد أهدر القرار الطعين مبدأ تكافؤ الفرص، وكرّس التمييز ضد المرأة".
وفى أكتوبر/تشرين الأول الماضي 2023 نظم المستبعدون والمستبعدات من الوظيفة وقفة احتجاجية أمام وزارة التربية والتعليم بالعاصمة الإدارية، وتمّ فضّها من قبل أجهزة الأمن المصرية. ويذكر أنّ غالبية المستبعدين من الوظيفة هم من النساء، وذلك للأسباب سابقة الذكر (الحمل، حديثات الولادة، الوزن الزائد، الأنيميا، فشل في اجتياز اختبارات اللياقة البدنية).
وهذا الإجراء لا يخالف الدستور المصري وحسب، بل هو مخالفة صريحة لاتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد النساء (السيداو) الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1979 التي وقّعت عليها مصر سنة 1981، ونصّت المادة 11 من مواد الاتفاقية "تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في ميدان العمل لكي تكفل لها، على أساس المساواة بين الرجل والمرأة".
فما قامت به وزارة التربية والتعليم يُعدّ مخالفة صريحة ومشينة للدستور المصري وكافة المواثيق الدولية، ويقود إلى المزيد من العسكرة، بعد عسكرة محال بيع الخضار والفاكهة واللحوم.. إلخ.