احمل سكينك واتبعني

13 أكتوبر 2019
+ الخط -
لعل حظي العاثر فقط هو من ساقني لرؤية تغريدة لأحد أعضاء اللجنة السياسة في الائتلاف ورئيس مكتب الإعلام والعلاقات العامة في المجلس الوطني سابقاً، نشر فيها مقطع فيديو لكردي يمزق المصحف مذيلاً الفيديو بالقول: "هذا المجرم الذي يمزق المصحف الشريف ويُدنسُه لا ينتمي لشعب أو قوم أو دين.. أمثالُه رُعاعٌ يُستخدمون لنشر الفتنة وبث الفُرقة بين الشعوب". ولا ينسى السيد الائتلافي بالطبع أن يعتذر لنا عن سوء المشهد.

ثمة أمر بسيط جداً أغفله السيد المعارض الوطني وهو أن هذا الفيديو عمره سنوات عديدة، ولم يتذكره إلا اليوم ليقدمه لنا دليلاً على مشروعية العملية العسكرية التركية. وهكذا تظهر العملية بمظهر المدافع عن الدين الصارخ المنتفض: وا إسلاماه! بعد أن غاب عن البال أن دعوى الانفصالية ربما كانت أقوى وأجدى، ولكن كيف نطلب من معارضين لا يعنيهم الوطن أن يتخذوا موقفاً وطنياً، هو الدين إذاً أسهل الطرق لتحريك المشاعر لتغرق الشعوب ببرك الدماء إلى جانب غرقها ببرك الجهل والتخلف وإجرام نظام الأسد وانعدام التعليم والخدمات والمستقبل، هو الدين الذي ركبته قبلهم "داعش" و"النصرة" والفصائل الإسلامية المتطرفة الأخرى. وللأمانة فإن السيد المغرّد لم يكن مغالطاً في كل ما قال، ففي كلامه شيء من الصحة هو قوله: أمثالُه رُعاعٌ يُستخدمون لنشر الفتنة وبث الفُرقة بين الشعوب.. ما أصدقك!


ما يحدث اليوم على شبكات التواصل الاجتماعي السوري من جرائم بحق الأوطان والشعوب وتهديد لما تبقى من استقرار للنسيج الاجتماعي على يد شخصيات وحسابات تمتلك آلافاً مؤلفة من المتابعين لا يختلف كثيراً عمّا فعله مسؤول بريطاني كان يجول بسيارته في الهند عندما شاهد شاباً جامعياً يضرب بقرة، فترجّل المسؤول وهرع نحو البقرة باكياً متضرعاً يمسّد عليها ويحاول استرضاءها تم اغتسل ببولها تبرّكاً وسط ذهول الهنود الذين تجمعوا حوله وذهول من كان معه في السيارة. لاحقاً سحق الهنود الشاب الذي تجرّأ على آلهتهم التي قدّرها الغريب قبل القريب، وعندما سئل إن كان حقاً يعتقد بألوهية البقرة أجاب: لا بالطبع، ولكن ما فعله الشاب يهدد انحطاط الوعي وسيادة الجهل الذي نحرص على تدعيمه واستمراره لأنه يدعم وجودنا وسطوتنا.

قد تكون حكاية المسؤول البريطاني منحولة ولم تقع أصلاً، ولكن ممارسات البريطانيين وغيرهم من مستعمرين تجعلها حقيقة واقعة. ربما يشفع للبريطاني فعلته أنه بريطاني محتل جاء ليسلب البلد ويسرق قوته ومن مصلحته أن تنتشر عبادة البقر، ولكن ما هي مشكلة أبناء الوطن الواحد؟ لماذا يصرون هم أيضاً على التبرك ببول البقر والتمسّح به؟

نعيش اليوم في سورية أزمة أخلاقية كالعديد من الأزمات الحادة التي مرّت بنا خلال السنوات السابقة، وفي كل منها كنا نخسر شيئاً من إنسانيتنا وأخلاقياتنا. سبب أزمة اليوم هو العملية العسكرية التركية التي جاءت قبل كل شيء لتحقق مصلحة تركية، لقد كشفت هذه العملية عن هوة واسعة بين السوريين العرب والأكراد، كراهية متأصلة بين الطرفين مبنية على الجهل بالآخر والعداوات التي يغذيها من يتبركون ببول البقر من الطرفين. العرب يُساقون إلى تأييد العملية مدفوعين بأدلة لا تنتهي تؤكد أن هؤلاء الملاعين الأكراد كفار وملحدون ومجرمون قتلوا واغتصبوا ونكّلوا، أما الأكراد فيساقون إلى عداوة العرب وكراهيتهم مدفوعين بأدلة لا تنتهي أيضاً عن أن هؤلاء البداة ما هم إلا "دواعش" مجرمين سبوا وقتلوا وسرقوا ودمروا.

كل طرف من معركة اليوم يحمل أدلته تحت إبطه، وهي حقيقية وصادقة وواقعة، وكذلك يفعل كل أطراف المحارق السورية والعربية من طوائف وقوميات، يمتلكون مصنفات ضخمة مترعة بالأدلة على جرائم الآخر ونيته قصلنا وقتلنا وسحقنا وإفناءنا، يحملونها معهم حيث توجهوا، ولكنهم لا يحملونها إلى القبر، إذ يورثونها لأولادهم وأحفادهم من بعدهم!

نعم ليس كل العرب والأكراد في ذلك سواء، ثمة البعض ممن يصر على امتلاك عقل يتساءل ويحاكم ويقف وسط الجنون ليقول: توقفوا ما هكذا تساق الشعوب، ولكن حالهم لا تختلف عن حال ذاك الشاب الذي تم سحقه إرضاء للبقرة المباركة، فتجدهم اليوم وقد قبلوا من الغنيمة بالإياب!

قبل ثلاثة آلاف سنة على الأقل صرخ بعل بالسوريين قائلاً: حطّم سيفك واحمل معولك واتبعني لنزرع السلام والمحبة في كبد الأرض. من حسن حظ بعل يومها أنه لم يكن يمتلك حساباً على فيسبوك أو تويتر، ليشاهد نجوم السوشل ميديا وهم يصرخون بالسوريين: حطّم عقلك واحمل سكينك واتبعني لنزرع الحقد والدماء في كبد الأرض.