اتحاد الكتاب والرفيق المبعبع

08 يوليو 2020
+ الخط -

في سهرة الإمتاع والمؤانسة أغلقنا سيرة انتساب رفعت الأسد إلى اتحاد الكتاب العرب ثم فصله من الاتحاد بشكل نهائي. علق أبو الجود قائلاً إن الأفضل لنا أن نعتبر الرفيق رفعت بحكم الميت الذي لا تجوز عليه الرحمة، وعلى قولة أهل حلب: خلونا ننجقُه.

ولكن سيرة اتحاد الكتاب العرب بقيت مفتوحة. حكى لنا الأستاذ كمال حكاية واقعية جميلة جداً. قال إنه كان يحضر المؤتمر العام لاتحاد الكتاب العرب في شهر أغسطس من سنة 2005، ووقعت حادثة غريبة بطلُها عضو في الاتحاد أطلق عليه الأصدقاءُ لقب "الرفيق المبعبع".

وصف لنا كمال، في البداية، الأجواءَ السياسية التي كانت سائدة في ذلك المؤتمر، موضحاً أن عضو القيادة القطرية المختص بشؤون الثقافة والطلبة كان جالساً إلى المنصة الرئيسية، وبجواره رئيس الاتحاد ومعاونه.. وبعد إلقاء الكلمات الترحيبية التمهيدية، وعرض التقارير المالية والإدارية السنوية، فُتح المجال للمناقشة. ووقتها توالى على الميكروفون بعض أعضاء الاتحاد الشجعان، وصاروا ينتقدون بعض الظواهر التي تحد من حرية الكاتب، وتقلل من قيمته، وبعضهم حكى عن المادة الثامنة من الدستور التي تُبقي الدولة السورية تحت سيطرة حزب البعث، واستمرار سريان مفعول قانون الطوارئ ومحكمة أمن الدولة، والمعتقلات، وهيمنة الأجهزة الأمنية على مفاصل الدولة، إضافة إلى انتشار المحسوبيات والرشاوى وتراجع الاقتصاد وانهيار الطبقة الوسطى بسبب نمو الطبقات الطفيلية.. وفجأة سُمع صوت مدو، التفت الحاضرون فشاهدوا "الرفيق المبعبع" وهو يشوبر بيديه ويبعبع بجمل وعبارات مما يقال عادة في المؤتمرات الخطابية للفلاحين وصغار الكسبة، أو في اجتماعات الشبيبة.. وأنهى بعبعته بمطالبة القائد بشار الأسد بأن يضرب بيد من حديد على أيدي هؤلاء المتآمرين من شيوعيين وبعثيين يمينيين وأنصار المجتمع المدني الذين يقدمون لنا كلاماً معسولاً في ظاهره بينما غايتُه الأساسية تسليم البلاد لقمة سائغة للصهيونية العالمية!

احتج بعض الأعضاء على هذا السلوك الديماغوجي من الرفيق المبعبع، وبعضهم رفع صوته ليسكته، فما زاده اعتراضُهم إلا صراخاً ونباحاً.. إلى أن تدخل رئيس الاتحاد وعضو القيادة القطرية.. وطلبا من الجميع الهدوء، على أن نستأنف حوارنا بعد استراحة قصيرة.

ضحك أبو جهاد وقال: ما أحلى رفعت الأسد لما بتقارنه بالرفيق المبعبع! العمى في عيونه من بين الكتاب.

أبو الجود: نعم. عالقليلة رفعت خرفان ومو عارف أيش صاير بالدنيا. وقاعد عم يشطف دولارات وفرنكات في باريس، ومانو سائل على كل هالحكي.

أبو المراديس: النتيجة اللي كنا حابين نوصل إلها هيي التالية: نقابة المحامين في دولة العصابة الأسدية مو للمحامين. مجلس الشعب مو للشعب. اتحاد الكتاب مو للكتاب. اتحاد الصحفيين مو للصحفيين. كل المؤسسات مخترقة. وبالمناسبة هادا العضو المبعبع كلياتنا منعرفه. وإذا بتحبوا أنا بحكي لكم عنه حكاية صارت بعد أربع سنين من تاريخ المؤتمر العام لاتحاد الكتاب. يعني سنة 2009.

 

خطيب بدلة
خطيب بدلة

خطيب بدلة

قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...

 

أبو محمد: والله حكاياتكم يا هالكتاب كتير كويسة. تفضل سَمّعنا.

أبو المراديس: صارت الحادثة اللي بدي إحكي لكم عنها في محافظة بعيدة عن العاصمة، هالمحافظة فيها فرع متواضع لاتحاد الكتاب العرب. وهادا الفرع كانوا الكتاب من أعضاء الاتحاد في كل المحافظات بيحبوا يعملوا فيه أمسيات لسبب بسيط.. وهوي إنه بعيد كتير عن محافظاتهم، ولما الاتحاد بيدفع للكاتب تعويض الأمسية بيضيف عليه أجور السفر، وأجور المبيت، يعني الكاتب بيطلع من هالسفرة بمبلغ يمكن يكفيه لتعباية برميل المازوت في أول الشتي، أو بتشتري فيه زوجته شوية برغل وطحين وعدس وزيت زيتون وتوم وكزبرة.

حنان: كلامك صحيح. أنا كنت إنبسط لما زوجي كمال يعمل أمسية بهادا الفرع، كان يقبض تلات آلاف ليرة، وأحياناً تلاتة وخمسمية.

أبو المراديس: المهم، القاعة اللي بتنعمل فيها الأمسيات الأدبية بهالفرع زغيرة، بتتسع لعشرين شخص، واللي بيجوا لحضور الأمسية أساساً يا دوب عشر أشخاص بالإضافة لرئيس الفرع وأمين الصندوق والآذن. ومرة من المرات كان زميلنا الكاتب رئيس فرع الاتحاد قاعد في مكتبه، وإذ بيرن الهاتف، واندهش لما عرف إنه اللي عم يتصل هو العميد رئيس فرع الأمن العسكري. زميلنا صار قلبه يدق، لأن نحن كنا نخاف من عنصر الأمن اللي رتبته رقيب أو مساعد، فكيف لما بيتصل رئيس الفرع شخصي؟ خاف وميلنا المسكين إنه يكون حدا كاتب بحقه تقرير، وعلى أثر هالتقرير يجرجروه ويعرضوه لسين وجيم وأكل هوا. لكن قلبه اطمأن لما خاطبه العميد بمودة وصار يسأله أسئلة حول النشاطات، وعن سعة صالة المحاضرات، وكم واحد من الجمهور ممكن يحضر.

الخلاصة إنه رئيس فرع الأمن العسكري خَبّر زميلنا إنه الأديب "الرفيق المبعبع" صديقه، وإنه اتصل فيه وأعلمه برغبته في إنه يعمل نشاط أدبي بهالفرع، ولكن صالة المحاضرات في الفرع صغيرة، ولذلك المطلوب منه يعلن عن إقامة النشاط في صالة المسرح الكبيرة بالمركز الثقافي.

زميلنا وافق بدون نقاش. وبعدما سكر السماعة صار يفكر إنه شقده واطي الرفيق المبعبع، واطي لدرجة إنه ما اتصل فينا نحن زملاؤه، واتصل برئيس فرع الأمن العسكري!.. وصار يقول لحاله: نحن جمهورنا عشر أو عشرين شخص، كيف ممكن ينعمل النشاط في القاعة اللي بتتسع لتلاتمية وخمسين شخص؟ لكن الأمر الغريب إنه قاعة المسرح بالمركز الثقافي امتلأت بالحضور، حتى في ناس حضروا عالواقف، لأنه الأمن العسكري متولي عملية حشد الجمهور. والمشكلة الحقيقية اللي اعترضت زميلنا الكاتب إنه العميد طلب منه يتولى شخصياً تقديم الكاتب الرفيق المبعبع، لأن المُخبر أبو فستوك المختص بعرافة الاحتفالات كان مسافر برات البلد. زميلي الكاتب، لما صار يبحث في جوجل عن إنجازات المبعبع حتى يحكي عنها في التقديم اكتشف إنه ما عنده أي مؤلف بحثي أو أدبي.. وكل إنجازه كتاب مؤلف من 32 صفحة بيتضمن بعض الأدعية اللي بيقراها الحجاج أثناء الطواف حول الكعبة الشريفة ورمي الجمرات في منى. قبلما تبدا الأمسية اختلى زميلنا بالرفيق المبعبع وسأله: كيف بتحب نقدمك رفيق؟ في ضرورة نشير لكتاب الأدعية تبع الحج؟

فضحك الرفيق المبعبع وقال له: أنا عندي تعريف واحد بيقدموني فيه بكل أمسياتي: مواطن متخرج من مدرسة القائد العربي الكبير حافظ الأسد، يختص بشهادة الدكتوراه من أكاديمية الرفيق بشار الأسد النضالية. قول هادا الكلام وصلى الله وبارك.

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...