إننا هنا الآن!
لقد كان العام الأكثر جنوناً على الإطلاق. 2020 أحداث صاخبة، ما بين اغتيالات سياسية ووفيات وكوارث طبيعية وغيرها الكثير.
شهر يناير/ كانون الثاني من ذلك العام، أو ما أطلقت عليه يناير الغادر، كان الأكثر زخماً بين الشهور منذ سنوات. تلاحقت الأحداث خلاله، فلم نعلم مع نهاية العام أحقاً عايشنا كل ما عايشناه، أم أننا كنا داخل فيلم من الدراما والأكشن والمغامرات؟ فهل ستكون النهاية سعيدة أم لا؟ هل من المعقول أن ثلاثمائة وخمسة وستين يوماً غير كافية؟ هل سنشهد حقاً أجزاءً أخرى من هذا الفيلم المرعب؟ أتمنى ألا يكون ذلك صحيحاً.
لنستذكر معاً محطات العام المنصرم وماذا انتزعت منا. كانت البداية في الثالث من يناير حيث اغتالت الولايات المتحدة قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، وذلك في غارة بالعاصمة العراقية بغداد. وبعدها جاء الرد الإيراني في الثامن من يناير، حيث حطمت طائرة إيرانية قاعدة أميركية في العراق، انتقاماً لقاسم سليماني.
في ذات التاريخ اندلعت حرائق شديدة في أستراليا استمرت لأكثر من 3 أشهر.
وفي 8 من يناير، أسقطت إيران طائرة أوكرانية فوق طهران بعد إقلاعها بدقائق، بصاروخين للحرس الثوري، ما أدى إلى مقتل جميع ركاب الطائرة البالغ عددهم نحو 176 راكباً.
في ذلك العام أيقنت أن الأحلام تصبح غير ذات قيمة في لحظة ما، وأن هنالك ما هو أهم، فإذا لم تستطع السيطرة على واقعك فأنت مجرد واهم
حدث فيها إعلان ديوان البلاط السلطاني في عُمان في العاشر من يناير وفاة السلطان قابوس وتنصيب هيثم بن طارق سلطاناً جديداً للبلاد.
وفي 15 من يناير، وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترامب والمفاوض الصيني ليو هي، المرحلة الأولى من الاتفاق التجاري بين واشنطن وبكين، الذي فشل بسبب تفشي فايروس كورونا وازدياد التوتر بين البلدين.
في 16 من يناير، بدأت محاكمة الرئيس الأميركي بتهمة استخدام سلطاته للضغط على الرئيس الأوكراني للتضييق على منافسه بايدن.
في 18 من يناير صدر بيان ملكي أعلن من خلاله تجريد الأمير هاري وزوجته ميغان من ألقابهما الملكية.
وفي نهاية شهر يناير توفي نجم كرة السلة الأميركي كوبي براينت وابنته جيانا و7 آخرين من أصدقائه في حادث تحطم طائرته الخاصة.
وفي يوم 31 يناير انسحبت بريطانيا رسمياً من الاتحاد الأوروبي بعد 47 عاماً على عضويتها.
ولن ننسى صفعة القرن التي تلقتها فلسطين والتي بوركت بطعنات عربية في بداية العام تكللت بالتطبيع والخيانة في نهايته.. برعاية أميركية. الإمارات.. البحرين.. السودان.. وكانت الصفعة القاضية من المغرب التي ساومت على عروبتها مقابل صحراء قاحلة.
كل هذه الأحداث خلال شهر واحد، والقائمة تطول خلال الأشهر اللاحقة كانت رحلة شاقة لست أصدق أننا هنا الآن.
منذ بضعة أيام انتهت تلك السنة وأخذت معها كل ما أخذته، وانطوت تلك الصفحات التي احتجنا لقراءتها ثواني. دقائق وساعات بل أياماً وأشهر طويلة، كانت السنة الأطول منذ ولدت، كانت الأقسى، كانت الأكثر طمعاً، فقد أخذت من الأحباب ما أخذت وسرقت من اللحظات السعيدة ما سرقت. حرمتنا اللقاء وفرقتنا وشتت شملنا، عطلت أعمالنا وأوقفت تعليمنا، ولم تكتفِ، بل وفتكت بكل ما هو جميل، بكل من هو خيّر، لقد داهمتنا وغرت بنا.
ولكن علمتنا، نعم، لقد لقنتنا درساً لن ننساه ما حيينا، جعلتنا نشعر بكل النعم التي كنا معتادين إياها وقليلي الشكر لها.. نعمة الأسرة، الأصدقاء، العمل، المأوى، قوت اليوم الذي لطالما كنا ساخطين عليه، والأهم، نعمة الصحة، أن تكون خالياً من الألم، تتنفس بشكل جيد، تنام بشكل طبيعي، لا أجهزة تساعدك ولا أطباء حولك. فاللهم لك الحمد.
في ذلك العام أيقنت أن الأحلام تصبح غير ذات قيمة في لحظة ما، وأن هنالك ما هو أهم، فإذا لم تستطع السيطرة على واقعك فأنت مجرد واهم. رأيت أولئك الذين زهدوا في كل ما يتعلق بالحياة عندما ألقت بهم الحياة في جوف المرض، حينما فتك بهم الوباء. كان حجر الأربعة عشر يوماً بالنسبة إليّ أشبه بيوم يفر المرء من أخيه وصاحبته وبنيه. وحيدون نحن لا نقترب من أحد ولا أحد يقترب منا، وكل يقول اللهم نفسي، تتعلم الاستناد إلى نفسك، الاعتناء بها، التكييف مع الواقع والصبر. تعلمت الصبر.
تعلمت معنى كلمة جميعنا في كف الرحمن، تعلمت أنه ليس هناك فرق بين عربي وأعجمي، أبيض وأسود، جميعنا كنا ضمن الاختبار الإلهي، وكل منا لاقى قدره دون أن يستنقص ساعة أو يستقدمها، فلا مالنا درأ عنا الوباء ولا وقاية. إنها فقط ألطاف الله بنا.
كان ذلك العام مؤلماً، لكنه كان الأصدق، كان صحوة الروح من غفلتها. ومع بداية العام الجديد نسأل الله من فضله.. فاللهم يا مبدل الحال والأحوال بدل حالنا إلى أحسن حال.