إمتاع ومؤانسة في عيد الحب (2/2)
فتحنا في السهرة السابقة سيرة الحب، وأصرت السيدة حنان على أن ينحصر الحديث بـ"عيد الحب"، ولكن، ولكوننا -نحن روادَ سهرة الإمتاع والمؤانسة- من أصول قروية، فقد ذهب حديثُنا في اتجاهات أخرى، ولم نأت على ذكر الورود الحمراء التي يتبادلها العشاق في عيد الحب، ولا على البطاقات الملونة التي تُرْسَم عليها أنهار وأشجار وسماء ملأى بالعصافير، ولا على تبادل الرسائل (الماسيجات) عبر الواتس أب والماسنجر، وعليها كلمة (بحبك).
كمال: ذكرتني كلمة (بحبك) بـ الحاج أنور الشلفونة اللي نزح من قرية "الترابية"، واستقر في مدينة إدلب في الخمسينات، وعاش هناك، وخلف عدد من الأولاد والبنات..
أبو ابراهيم: قصته إلها علاقة بعيد الحب؟
كمال: لأ طبعاً.. أصلاً هوي عاش ومات ولا سمع بشي إسمه عيد الحب. بس من زمان، في السبعينات، كان يسافر لحلب مرة في الأسبوع ويحضر أفلام سينما، وأكتر الأفلام اللي كان يحبها من بطولة محمود ياسين، وكان يتعاطف مع فكرة الحب، لأن العواذل كانوا يكيدوا للمحبين. الحاج أنور شخص ظريف جداً، لما بيحكي في موضوع معين بتحس حالك كأنك قاعد في السينما، وعم تشوف فيلم فيه صوت وصورة وحركة ومؤثرات موسيقية. باختصار لما بيحكي قصة بيمثلها قدامك تمثيل. أنا مرة كنت في إدلب، ومريت من سوق القندرجية، وكان في شباب من معارفي قاعدين قدام دكان واحد منهم، ولقيت الحاج أنور الشلفونة واقف على رجل واحدة، وشايل بإيده سلة مهملات ورافعها لفوق، ولما وصلت وسلمت عليهم، نَزَّل السلة، وداس على رجليه التنتين، وقعد. وتبادلنا التحيات. بعدين أنا قلت لهم: واضح إنه الحاج أنور كان عم يحكي قصة، وأنا بدي إسمعها من أولها.
أبو المراديس: طالما الشلفونة شخصية ظريفة أنا بشوف إنه نفتح سيرته في وقت لاحق. لكن هلق نحن بانتظار الحكاية اللي وعدنا فيها أبو الجود..
فحكى لنا أنه، في يوم من الأيام، كان عم يبيع ويشتري في دكانه، وأجا واحد راكب ع الموتوسيكل، وبَلَّغه إنه ضروري يروح ع مدرسة إبنه محمود، لأنه عامل مشكلة. وهوي ترك شغله، وراح ع المدرسة فوراً، لأن انشغل باله، خاف يكون إبنه متشاجر مع واحد من زملاؤه وضاربه شي سكينة فوق بزه الأيسر، ولما دخل ع الإدارة لقى إبنه محمود شايل سلة الوسخ وواقف على رجل واحدة (ووقف الحاج أنور ومَثَّل الموقف متلما كان عم يمثله قبل شوي)، وبعدما سلم عَ المدير والأساتذة، وعرفهم على حاله، المدير فتح درجة وطالع ورقة مكتوبة، ومحروق طرفها. أنا سألت المدير: ليش بقى هالورقة محروقة من طرفها؟ يعني هادا مكتوب عشاق؟ فقال لي: نعم سيدي، مكتوب عشاق. بلا طول سيرة، أنا أخدت الورقة من المدير وصرت إقراها، لقيت مكتوب فيها كلام حب وغرام من أحلى ما يكون. كاتب لها: أحبك يا جميلة المحيا، يا ذات الشفة الـ الـ يمكن العلياء؟..
أنا قلت للحاج أنور: قصدك: اللمياء؟
فوقف وباسني من راسي وقال لي: هاي هي الكلمة، وكاتب لها كمان: إنني لا أستطيع النوم لأن خيالك يُـ يـُ.. شي إله علاقة بالركض..
قلت له: خيالُكِ يطاردني؟
فوقف وباسني مرة تانية، وقال لي: يرحم أبوك.. هاي هيي.. وكاتب لها كلام كله من هالحكي الكويس المنقى ع الصينية.. أنا رَجَّعت الورقة للمدير وسألته: مين اللي كاتب هالحكي؟ قال لي: اللي كاتبه هوي إبنك محمود، كمشناه وهوي لاحق البنت الصبية في الشارع وعم يسلمها هالمكتوب.
أنا، يا شباب، طق عقلي. المدير والأساتذة ظنوا إني أنا زعلت من محمود، وخافوا ما إضربه. قام واحد منهم أخد محمود وطالعه من الإدارة.
سألتُه للحاج أنور: يعني إنته ما زعلت من محمود؟
قال لي: لا والله، بالعكس كتير انبسطت. وان شاء الله بهاليومين راح نسافر أنا وهوي عَ مصر. برأيكم منروح بالباخرة ولا بالطيارة؟
سأله واحد من الشباب: خير يا حاج أنور؟ أشو في بمصر؟
قال: بدي أخلي إبني محمود يمثل في السينما مكان محمود ياسين. لأن محمود ياسين كبر وما عاد خرج تمثيل. بتعرفوا؟ علي الطلاق، بكل الأفلام اللي شفتها، ما شفت أحلى من المكتوب اللي كاتبه إبني. بعدين هادا إسمه محمود وهادا إسمه محمود!
أبو المراديس: طالما الشلفونة شخصية ظريفة أنا بشوف إنه نفتح سيرته في وقت لاحق. لكن هلق نحن بانتظار الحكاية اللي وعدنا فيها أبو الجود..
حنان: نعم. أبو الجود صرح لنا إنه بيحب أم الجود، ووعدنا يحكي لنا القصة.
أبو الجود: أنا خايف ما تفكروا إني حبيتها وكتبت لها مكاتيب متل محمود ياسين، وطلعنا مشاوير سوا، ودخلنا ع سوق الحميدية، وأكلنا بوظة عند بكداش متلما بيعملوا في المسلسلات السورية.
أبو جهاد: تضرب في شكلك، ما بتحسن تحكي شلون حبيتها من دون كل هالبهارات؟
أبو الجود: أنا بصراحة حبيتها لعدة أسباب. أول سبب لما أنا قلت لأبوي إني بدي أتزوج، قعدنا أن وهوي وأمي وصرنا نسجل أسامي بنات القرية لحتى ننقي منهن وحدة، يوميتها تفاجأنا إني البنات اللي بعمر الزواج في قريتنا عددهن 300 بنت، في منهن 270 بنت أمي مرضعتهن لما كانوا زغار! بقي عندنا 30 بنت، قعدنا وغربلناهن، لقينا إنه 25 بنت ما في ضروري نخطبهن لأنهن ما بيعطوني، وعلى أشو بدهن ياخدوني؟ طفران ومنحوس وماني كويس متل محمود ياسين ومحمود الشلفونة. بقي عندنا خمس بنات، راحت أمي وأختي وخالتي خطبوا أربعة منهن، وأهاليهن اعتذروا، بقيت هالمستورة أم الجود اللي كانت عم تعاني من نفس مشكلتي.
أنا ما حدا عم يقبل فيني، وهيي ما حدا عم يطلبها. قالت لي أمي: منخطب لك ياها؟ قلت لها: ما في مانع، بس أجلي لي الموضوع شوي.
حنان: لأيش التأجيل؟
أبو الجود: منشان الحب. أنا بتذكر إني شفتها مرة كانت شايلة الخلقين ورايحة تعبّي مَي، وبعدما قررنا نخطبها بقيت شي عشرة أيام وأنا أعمل دوريات في زقاقات القرية، وأدور عليها، لحتى شفتها شايلة الخلقين والمي عم تتكبكب على وجهها، أنا ابتسمت وعملت حالي عم أسوي البريم (العكال) على راسي، وهيي ابتسمت ومدت إيدها عالغرة وسوتها، يعني أنها عم تسلم علي! بتعرفوا أشو صار بعدها: يا دوب وصلت ع الدار كنت أنا باعت أمي تطلبها. بقى ما بعرف، إنتوا بتسموا هالشي حب؟
أبو ماهر: ليش لأ؟ الحب أنواع. المهم أنت لهلق بتحبها؟
أبو الجود: لا والله، حب ما بحبها، لكن بصراحة هي مفضّلة على راسي. لولاها كنت بقيت لهلق عزابي!