إضراب الأساتذة وحقوق الإنسان في المغرب
شهد المغرب في الآونة الأخيرة مجموعة من الخروقات لحقوق الإنسان، من بينها توقيف أزيد من 500 أستاذ وأستاذة عن العمل بسبب مشاركتهم في احتجاجات سلمية، طالبت بتحسين الأوضاع التعليمية والدفاع عن المدرسة العمومية.
وشكلت هذه الانتهاكات خرقًا للحقوق والحريات الأساسية، حيث يُعدّ قمع حرية التعبير والحق في التجمعات السلمية من أشكال الانتهاكات التي يمكن أن تُدان بها المجتمعات الديمقراطية.
وحق الإضراب مكفول في الدستور المغربي (2011) وكافة المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب، مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وهو حق أساسي للعمال من أجل الدفاع عن حقوقهم ومصالحهم، كما أنّه أداة مهمة للتغيير الاجتماعي.
إنّ الإجراء الذي اتخذته الحكومة المغربية بتوقيف عدد كبير من الأساتذة، بسبب مشاركتهم في مظاهرات احتجاجية سلمية، ينافي الدستور والمواثيق الدولية بشكل واضح، ويضر بمكانة المغرب الحقوقية ويضعف مصداقيتها في هذا المجال. فقد جاء هذا القرار متزامنًا مع فوز المغرب برئاسة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لعام 2024، مما يعكس ازدواجية المعايير التي تتبعها الحكومة المغربية في مجال حقوق الإنسان.
كما أنّ هذه الانتهاكات تعكس فشل الحكومة المغربية في تدبيرها لعدد من الملفات الاجتماعية المطروحة، وتكشف عن عدم جديتها واحترامها لحقوق الإنسان، خاصة حقوق الفئات المتوسطة، مثل المعلمين والممرضين ورجال الأمن الذين يلعبون دوراً أساسياً في بناء المجتمع.
تزامن قرار اعتقال المعلمين المشاركين في الاحتجاج مع فوز المغرب برئاسة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لعام 2024، ما يعكس ازدواجية المعايير التي تتبعها الحكومة
في ظلّ غياب الحوار البناء مع الحكومة، خاض الأساتذة في المغرب حراكاً تعليمياً احتجاجياً غير مسبوق، استمر لمدة ثلاثة أشهر متواصلة، وشارك فيه آلاف الأساتذة من جميع أنحاء البلاد. نُظمت فيه العديد من الفعاليات الاحتجاجية، مثل المظاهرات والمسيرات والإضراب عن العمل. ولعل أهم ما طبع هذا الاحتجاج أنّه كان سلمياً، ومعبّراً عن مستوى وعي الأساتذة بحقوقهم، هذا الوعي الذي تجلّى في رفضهم الجماعي للنظام الأساسي الجديد الذي جاء من أجل تقويض مكتسباتهم الحقوقية.
لكن هذا الحراك، الذي يعكس نضال الأساتذة المغاربة من أجل حقوقهم المشروعة، قُوبل بنوع من التعنّت من طرف الوزارة المسؤولة عن القطاع والحكومة المغربية ككل، حيث جرى الاقتطاع من أجور جميع الأساتذة المضربين بدعوى الغيابات غير المبرّرة عن العمل، في محاولة لثنيهم عن مواصلة الإضراب. وبعد الفشل في ذلك، جرى توقيف أزيد من 500 أستاذ وأستاذة بشكل مؤقت عن العمل، في خطوة اعتبرها مراقبون "تعبيراً عن القمع السياسي والعمل النقابي وتجريم الحق في الإضراب".
بل والأسوأ من ذلك، هو أنّ الوزارة المسؤولة، حتى الآن، ما زالت تمارس ضغوطًا غير أخلاقية على الأساتذة الموقوفين، وذلك من خلال إجبارهم على التوقيع على التزامات تقضي بعدم ممارستهم لأيّ حق نضالي أو احتجاجي مستقبلًا. فهذه الالتزامات تقيّد حرية الأساتذة في التعبير عن آرائهم وممارسة حقوقهم المشروعة، وتُهدِد مستقبلهم المهني. وهذا الأمر يُعد انتهاكًا خطيرًا لحقوق الإنسان، ويعكس سعي الحكومة المغربية إلى قمع الأصوات المعارضة.
تم الاقتطاع من أجور جميع الأساتذة المضربين بدعوى الغيابات غير المبرّرة عن العمل، في محاولة لثنيهم عن مواصلة الإضراب
وبرغم مطالبة النقابات التعليمية الحكومة المغربية بالتراجع عن الإجراءات التعسفية التي اتخذتها ضد الأساتذة، وفتح باب الحوار معهم من أجل إيجاد حل عادل ومنصف لمطالبهم، إلا أنّ الحكومة ما زالت مستمرة في تعنّتها، مما يؤكد أنّها غير مستعدّة للتعامل مع الأزمة التي تواجه قطاع التعليم بشكل مسؤول وجدي. وهذا الوضع يثير مخاوف كبيرة بشأن مستقبل التعليم في المغرب، ويؤكد أنّ الدولة غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها تجاه الحق في التعليم.
تمثل هذه الانتهاكات تناقضًا مقلقًا في سياسات المغرب في مجال حقوق الإنسان. ففي الوقت الذي يفوز فيه المغرب برئاسة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ويؤكد فيه على التزامه بحماية حقوق الإنسان، يقوم بانتهاك هذه الحقوق.
إنّ هذه الانتهاكات تضر بمكانة المغرب على الصعيد الدولي، وتؤكد على ضرورة مراجعة السياسات الحكومية في مجال حقوق الإنسان.