إسرائيل واحتجاز جثامين الأسرى الشهداء
جرت العادة في الحروب القديمة قتل جميع الأسرى، وتشويههم بقطع الأطراف وسمل الأعين.. وهذه الصور القديمة، نلاحظها اليوم من خلال تصريحات اليمين المتطرّف في دولة الكيان الصهيوني، وذلك بقتل جميع الأسرى الفلسطينيين، سواء عبر القتل المباشر أو البطيء (قلّة من تنجو من هذا المصير)، فهل الثقافة التلمودية تدعو إلى ذلك؟
في "آخر الشهود" للكاتبة البيلاروسية، الحائزة على جائزة نوبل، سفيتلانا أليكسييفيتش، تقول: "في أواخر الحرب العالمية الثانية 1944، رأيت أول مرّة الأسرى الألمان.. كانوا يمشون في طابور طويل في الشارع، وقد أدهشني كيف كان الناس يقتربون منهم، ويعطونهم الخبز".
ظهرت في القرن الماضي، منظمات دولية تعنى بشؤون الأسرى، ووقّعت اتفاقيات أهمّها اتفاقية جنيف 1949، والتي تُعنى بحقوق الأسرى (الصحة، المسكن المناسب.. إلخ).
وبالرغم من وجود منظمات حكومية وغير حكومية، لم تستطع هذه المنظمات منع الانتهاكات بحق الأسرى. ففي الحرب الأميركية على العراق 2003، تعرّض الأسرى في السجون الأميركية إلى أسوأ معاملة، علماً أنّ المنتهك الأكبر لحقوق الأسرى في العصر الحديث هو الكيان الإسرائيلي الذي تفنّن بالقتل، وما بعد القتل أيضاً، من خلال الحكم على جثامين الأسرى الشهداء بالاعتقال، والذين كان آخرهم، الأسير الشهيد، ناصر أبو حميد، الذي استشهد داخل سجون الاحتلال بمرض السرطان نتيجة الإهمال الطبي، ليتم نقل جثمانه إلى ثلاجة المؤبدات لقضاء حكمه، سبعة مؤبدات، بما يعني خمسين عاماً، بينما أمه تنتظره في الخارج، وتضع حولها صور أبنائها الأسرى والشهداء. هؤلاء هم أبناء مخيم الأمعري.
يعشق الفلسطينيون الموت، لا حبّا به، إنما ليصنعوا الحياة، هم أصدقاء الرصاص والسجون والموت
جيش الاحتلال الإسرائيلي يحتجز 118 جثماناً في الثلاجات، بينهم 12 طفلاً، و11 أسيراً، وسيدتان، ويحتجز 256 جثماناً في مقابر الأرقام.
لقد منع الاحتلال الشهداء من الاستراحة في قبورهم، ومعانقة التراب الذي خُلقنا منه وسنعود إليه. هذا المنع لم يُوقف الفلسطينيين عن المطالبة بحقوق أسراهم، دولياً ومحلياً، من خلال عمليات المقاومة والمحاولات المستمرة لخطف الجنود الإسرائيليين للمبادلة، وأهمها خطف الجندي شاليط (صفقة شاليط)، وعملية حزب الله اللبناني 2006، حيث قام بخطف جنود إسرائيليين، وانتهت العملية بصفقة تبادل أسرى ورفات الشهداء الفلسطينيين والعرب.
أفنى الفلسطينيون أعمارهم لأجل القضية الفلسطينية، غيّروا أسماء فصائلهم وأساليب مقاومتهم. فهل يا ترى ستوقفهم ثلاجات العدو ومؤّبداته؟ أم أرقام المقابر وسيارة الإسعاف، وعليها نجمة داوود الحمراء التي تقلّ الشهداء الأسرى؟
يعشق الفلسطينيون الموت، لا حبّا به، إنما ليصنعوا الحياة، هم أصدقاء الرصاص والسجون والموت. قوافلهم إلى الموت لا يردّها إلا النصر أو الشهادة أو "أم ناصر".