أغنية المونديال بصوت أطفال مخيمات سورية

18 نوفمبر 2022
+ الخط -

لقد شاهدت أغنية المونديال واستمعت لها من أطفال مخيمات سورية، كرّرتها معهم مراراً، وفعلت ذلك مشدوهاً بعظمة هؤلاء الأطفال الذين يعيشون، ربما، في أفقر بقعة من بقاع العالم، وأقلّها رفاهية على الإطلاق، إن لم نقل أنها معدومة الرفاهية، وبلا أدنى بنى تحتية، لا بل وتفتقر للحدّ الأدنى من مقوّمات الحياة.

وما زلت أتساءل: هل شدّني إليها تعاطفي معهم أم تُرى هو إبداعهم الخلّاق؟ أم هي الرغبة في التعلّق بجرعة كبيرة من الأمل، ضختها بين جوارحي ضحكاتهم وفرحهم اللامحدود؟

الخيمة وشظف العيش فيها، بكلّ صعوباته وتحدياته ومعوقاته، لم يمناهم من مواكبة أبرز أحداث العالم، حيث تفاعلوا مع المونديال على طريقتهم الخاصة، قالوا ما لديهم وترجموا محبتهم بعمق بساطتهم، نثروا رسائلهم لجهات العالم الأربع "ونحن نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلاً". نحن هنا، رغم الألم رغم الوجع، رغم الدمار. كلّ وقائع المعاناة وتعدّد أشكالها، لن تحول بيننا وبين ما نعشق ونحب.

لا أصدق من مشاعر الطفولة ولا أبلغ من دلالاتها في التعبير عن مكنون النفس البشرية، وإننا بهذا الأداء الجميل والأخّاذ  لهذه الثلّة من الأطفال، نكون أمام أحد تجليات المشاعر الإنسانية. كما أنّ انعكاسات هذه النفوس البريئة تحمل قيمة راقية تقفز عن كلّ محاولات النيل منها، وتتجاوز كلّ الحدود والجغرافيا، فهذا هو الجيل الذي أنتجته كلّ سنوات القهر والحرمان، وإن كان هناك ثمّة رهان فهو على هذه الشريحة.

تفاعل أطفال المخيمات مع المونديال على طريقتهم الخاصة، قالوا ما لديهم وترجموا محبتهم بعمق بساطتهم، نثروا رسائلهم لجهات العالم الأربع

تخيط المرأة العجوز من وسط خيمتها، وبأناملها المتعبة الكرة الممزقة، فكأنما تعيد لهم فرصة جديدة لحياة أفضل بعد تشرذم وتمزّق وطنهم، وبعد انقساماته المتعدّدة في الجغرافية والنفوذ، ثم تقذف بالكرة لهم، كأنما تلقي لهم طوقَ النجاة.

ولا يحبس الرجل العجوز الكرة عنهم كما اعتدنا أيام طفولتنا عندما كان يحجز الكرة كبار السن، مهدّدين بتمزيقها أو الاحتفاظ بها، إلى حين تدخل غيره من الجيران كي يعيدها، لكنه يرميها لهم كركلة البداية في رسالة أشبه برغبة عارمة منه، ودعوة لهم بالاستمرار رغم كلّ الصعاب والمعوقات.

ربما لم تصله إليهم تفاصيل وحيثيات وملابسات الحملة الدعائية الممنهجة التي شنّها البعض ضد إقامة مونديال كأس العالم في بلد شقيق لهم، لكنهم شاركوا بالحملة المضادة بعفويتهم وطفولتهم البريئة، قالها كل طفل منهم "أنا عربي وأدعم قطر" في وجه هذه الهجمة الظالمة والشرسة عليها. ونقولها نحن، ونردّد خلفهم: من حقنا كعرب ومسلمين أن يكون لدينا من يمثلنا في أنشطة وفعاليات المحافل الدولية بكلّ أشكالها وأنواعها، وتستحق قطر وشعبها الدعم لأنها تصدّت لهذه المهمة بكلّ ثقة واقتدار عبر استضافة مونديال كأس العالم 2022، وكلنا يقين أنّ هذه النسخة من البطولة العالمية ستكون مميزة وستترك قطر بصمة لها وللعرب والمسلمين من خلال الساحرة المستديرة، وفي هذا الميدان، عبر توظيف عملي لمفهوم الدبلوماسية الشعبية كرافد مهم وقوي ومعزّز لنجاحاتها في إطار الدبلوماسية الرسمية.

بقي القول، يستحق أطفال الشعب السوري العظيم والشقيق كلّ الدعم والإسناد في محنته من أجل الخلاص والانعتاق من كلّ أشكال الظلم والاستبداد والوصول به إلى بر الأمان بعد كل ما دفعه من أثمان على مذبح الحرية، ويستحق أن ينعم بحياة ملؤها السعادة والفرح والطمأنينة كغيره من أطفال العالم.

ماهر حسن شاويش
ماهر حسن شاويش
ماهر حسن شاويش
كاتب صحفي مقيم في هولندا، يرى أن "الحرية حق والحقيقة أولاً".
ماهر حسن شاويش