أبو براطيم يقتحم السهرة الفنية

11 مارس 2020
+ الخط -
أبدت السيدة "حنان" زوجة الأستاذ كمال إعجابها بشخصية "أبو نادر" التي تحدثتُ عنها قبيل تناول الساهرين طعامَ العشاء.

قالت: أحلى شي في شخصية أبو نادر إنه هوي رجل، والرجال بيمتازوا بالخشونة، ومع ذلك بيكره الرجال الخشنين، وبيسميهم "الخشاين"، وبيتهرب منهم بطريقة طريفة للغاية.. مثلاً، لما كانوا يدعوه لسهرة فيها واحد خشايني كان يوافق ويبدي حماس منقطع النظير، وبعدها يتفنن في التهرب لدرجة إنه بيقطع الهاتف والكهربا عن البيت، يا إما بياخد مرته وبيطلعوا في سفرة بتستمر يوم أو يومين، يعني لوقت ما يتأكد من إنه ما عاد في إمكانية يلتقى مع الخشايني المذكور.

السيدة أم ماهر أيدت فكرة السيدة حنان، وأضافت أن عالم النساء يكاد يخلو من نساء ساخرات وهزليات مثل شخصية "أبو نادر".. فلماذا يا ترى؟

تدخل كمال وأوضح أن السخرية أقرب إلى طبيعة الرجال، لأنها تحتاج إلى شيء من التحدي والمواجهة. فالكاتب الساخر يمكن أن يصيب، بأسلوبه اللاذع، شخصاً متنفذاً، قادراً على الإيذاء، ولا شك أن رد فعل هذا المتنفذ سيكون قوياً، لأن الكاتب لم ينتقده بلطف وسلاسة، بل بتهكم واستهزاء، بل وجعله أضحوكة بين الناس، وهذا النوع من المجابهات لا يتناسب مع طبيعة النساء الرقيقة، ولذلك تندر النساء الساخرات، والأديبات الساخرات أيضاً، ليس فقط على المستوى المحلي، بل حتى على مستوى العالم، إذ لا توجد أديبة ساخرة واحدة بمستوى موليير أو تشيخوف أو ياروسلاف هاشيك أو عزيز نيسين أو أحمد رجب أو حسيب كيالي.


أبو زاهر طلب من السيدة أم مرداس أن تبدي رأيها في الموضوع، باعتبارها قريبة من هذا الوسط الساخر، فأوضحت للحاضرين أنها تعرف الكثير عن شخصية "أبو نادر" الهزلية قبل أن يحدثكم عنها أبو مرداس، بل إنها تعرف معظم الشخصيات التي يمكن أن يتحدث عنها لاحقاً. وقالت:
- كل الحكايات التي إنتوا بتقروها من تأليفه أنا وأفراد أسرتي منعرفها، ومنحفظها عالغايب.. لأنه هوي بيحكي لي القصة لما بيكون سامعها أول مرة، ولما بيجي مرداس أو الأمين أو ريتا أو فرح ع البيت بيحكي لهم إياها، وبيتضحكوا، وأحياناً بيعيدوها بين بعضهم مرة أو مرتين، وأوقات بيتصل بحدا من أصدقاؤو بالهاتف، وبيحكيها كمان مرة، وهداكا الشخص ممكن يضيف عليها، وأبو مرداس بيضحك متل لما بيسمعها أول مرة، وخلال هاي الإعادات بتلاقيه عم يضيف ع القصة أحداث وقفشات ما كانت موجودة في الرواية الأولى.

قال أبو الجود: بيعمل من الحبة قبة!

قلت: برأيي إنه الفكرة اللي حكاها أبو الجود هيي الأداة الرئيسية اللي بيستخدمها رسام الكاريكاتير أو الكاتب الساخر، نعم سيدي، الكاتب الساخر بيعمل من الحبة قبة، وأكيد الأصدقاء الموجودين بيلاحظوا إنه رسام الكاريكاتير بيكبّر الفم والأذنين والمناخير والحواجب، يا إما بيصغّر شي وبيكبر شي، بحسب الشخص اللي عم يرسمه، بتشوفوا مثلاً إن أبرز شيء في بشار الأسد لما بينرسم كاريكاتيرياً أدانيه ومنخاره، بينما فمه زغير بشكل ملفت للنظر، على عكس حسني مبارك مثلاً، ومرة قريت قصة لكاتب روسي بيحكي فيها إنه الرسامين السوفييت صَرفوا كميات كبيرة من الدهان في رسم حواجب ليونيد بريجينيف!

قال أبو محمد: أنا عجبتني حكاية أبو نادر. وبظن إنه هادا الرجل في إله نهفات كتيرة، وبالأخص في موضوع لقاءاتُه مع الرجال الخشاين.

قلت: نعم. راح إحكي عنها شوي، بس حابب أوضح للسيدات اللي عم يحضروا سهرتنا لأول مرة، إني عَم إحكي كتير في السهرة، على خلاف العادة، والسبب إني أنا الوحيد اللي بعرف شخصية " أبو نادر" عن قرب. وبالنسبة للفكرة اللي طرحتها الست حنان، أنا عندي توضيح. هيي استغربت إنه هوي رجل، وطبيعة الرجال عموماً خشنة، وبيكره الخشنين. الحقيقة إنه هوي إنسان ذكي جداً، وعنده ثقافة حياتية جيدة، وبيتمتع بحس فني راقي، لذلك بيكره مجالسة الأغبياء وأصحاب الذوق السطحي، وهادا شي طبيعي.

على كل حال: الشي اللي حكيت لكم إياه عن صديقنا "أبو نادر" كان عبارة عن مرحلة أولى، وكان هوي، خلال هاي المرحلة يهرب من اللقاء مع الخشاين بكل سهولة، أما في المرحلة التانية فبلشوا الشباب يعملوا فيه "مقالب" ويجبروه إنه يصير مع واحد خشايني وجهاً لوجه. مثلاً، في مرة من المرات، راح لعنده أبو سمير، وعرض عليه فكرة منطقية. قال له إنه اليوم الأصدقاء راح يسهروا في المكان الفلاني، والسهرة كلها على سوية واحدة، الكل راقين ومن محبي النغم الأصيل، وحتى ما أخليك تتورط أنا بروح معك ع السهرة، وبفتح الباب، وإنته بتنظر من بعيد، وبتستعرض ببصرك الموجودين، وإذا لقيت فيهم واحد دب، أو طشنة، أو سخيف، أو غليظ، يعني خشايني، مندوّر ومنرجع. قال له أبو نادر: اتفقنا. وبالفعل راحوا، وشافوا إنه كل الموجودين من النوعية اللي بيحبها أبو نادر، فدخل وهوي في قمة الحماس، وجلس، وبلشوا الشباب يفتحوا أحاديث عن الفن، وجابوا سيرة أم كلثوم، وبالأخص لما كانت عاملة ثلاثي مع بيرم التونسي وزكريا أحمد، وقال أبو سمير إذا بتحبوا أنا جايب معي كاسيت فيه تسجيل نادر لأغنية الأولة في الغرام.. وشرح أبو سمير فكرة فنية خالصة قال فيها إنه الفنان لما بيكون عم يغني وبينطرب كتير، ممكن يرتجل ويخرج عن النغم الأصلي، وبيسلطن، ويمكن تكون أم كلثوم ملكة العالم كله في مجال هاي السلطنة، وخاصة لما بتقول: حطيت على القلب إيدي وأنا بودع وحيدي.. والمعلمية تبع أم كلثوم بتتجلى في إنها مهما خرجت عن النغم المدون في النوطة قادرة ترجع للنغم الأصلي وتتابع الأغنية.

قال أبو نادر: أنا هلق قدام هالشباب الطيبين بدي أبوس راسك يا أبو سمير، لسببين، الأول هوي المعلومة اللي عطيتنا إياها، وتاني شي لإنك راح تسمعنا الأغنية من الكاسيت اللي جايبه معك.. هون صاحب البيت طلب من إبنه إنه يجيب المسجلة، وحطوا الكاسيت، والكل سكتوا، وصاروا يسمعوا اللحن العظيم اللي أبدعه الشيخ زكريا.. وفجأة دخل الخشايني المحترم "أبو براطيم". كانوا الشباب اللي رتبوا المقلب متفقين معه إنه يدخل في توقيت معين.
قال أبو براطيم: السلام عليكوووون. على راسي الشباب. اطفوا لنا هالبَلّاطة (يقصد المسجلة) خلينا نحكي كلمتين بحق هالدنيا!

وللقصة بقية..
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...