"سعيّد" إذ يحلم بانقلاب "السيسي"
في تونس الثورة رئيس انقلابي، في تونس ذات التجربة التوافقية رئيس يسعى لتركيز كل السلط في يده والاستبداد بها، يستدعي الرجل في زمن الديمقراطية التونسية خطابات عفى عليها الزمن، عُرف بها مخلوعون كالقذافي وابن علي ومبارك، فلم يعد المواطن العربي بتقديري من المحيط إلى الخليج يُطيق سماع خطابات "القائد الملهم الإله" القائد الذي يقود كل شيء ويفشل في كل شيء، وهو وصف بتقديري ينطبق إلى حد ما على الرئيس التونسي الحالي وسأشرح الأسباب.
أولا منذ وصول الرئيس سعيد إلى الحكم، أذكى الرجل الانقسامات السياسية والمجتمعية، وعوضا عن أن يكون رئيسا يحتكم إليه الخصوم، بات خصما لكل الأحزاب والقوى السياسية والمجتمعية. فمنذ وصل قيس للحكم يعمل الرجل على تقويض كل مخرجات الثورة، أولا عبر محاولة ازدراء البرلمان وممثلي الشعب، والعمل على تقويض مبدأ الفصل بين السلطات في سعيه المحموم للاستحواذ على كل السلط، كما عطّل الرجل مؤسسات الدولة برفضه القيام بالدور الشرفي المنصوص عليه في الدستور والذي ترشح بناء عليه، ويريد اليوم الانقلاب عليه، ذلك الدستور يُعرّف بوضوح مهام الرئيس بأنها مهام شرفية.
يبدو سعيد جامدا كالصنم، لا يمتلك أي كاريزما، غير لغة عربية متقعرة لا يُفهم أحيانا مقصوده من بعض التركيبات اللغوية التي يستعملها في خطبه
من جهة أخرى فإن سعيد الذي يتحدث عن الثورة، لا يذكر التوانسة والعرب صوتا له عند اندلاعها، فلماذا اليوم تدب فيه روح الوطنية ويتحدث عن استعداده للموت في سبيل الوطن، صمت الرجل عندما كان التونسيون يموتون في السجون والمعتقلات والمنافي، فيما اكتفى بمراقبتهم يموتون إبان ثورتهم السلمية على الرئيس المخلوع، صمت سعيد في عهد الاستبداد ويريد أن يقوّض منجزات الديمقراطية في عهد الثورة، لا أذكر كل ذلك للمزايدة على الرجل، وإنما فقط لطرح علامات استفهام عن تحركاته وتصريحاته وتوقيتاتها.
والمتتبع لجولات الرئيس التونسي الأخيرة وخاصة زيارته للقاهرة والاحتفاء الذي لقيه لدى السيسي عراب الثورة المضادة، يجعل من العصي على المراقب فهم كيف يسهل على رئيس دولة ثورة التقارب مع رئيس انقلاب، فيما يناصب شركاءه في الثورة و الوطن العداء، كما أن ضربة واحدة على الحاسوب في غوغل تظهر للمتصفح احتفاء المواقع والصحف والنشطاء المُمَوَّلين من أنظمة الانقلابات بالرجل وتصريحاته، وتصدره عناوين الصحف في تلك البلدان.
سعيد الذي يقول أن الإسلاميين يستغلون الدين، قام بأبشع استغلال للدين والمساجد والشهر الفضيل عندما وقف في رمضان في مسجد الزيتونة يهاجم خصومه "الإسلاميين" عبر تفسيره الخاص لكتاب الله، أليس الحديث في السياسة داخل المساجد هو استغلال للدين؟ لماذا يفعل سعيّد ذات الأمر الذي يعيبه خصومه؟ لماذا يخلط الدين بالسياسة؟ هل بيت الله وشهره الحرام هما المكان والزمان المناسبان للمناكفات السياسية والهجوم على الخصوم؟
يستنتج المراقب لتصريحات وجولات الرئيس التونسي أن الرجل يعمل على التحضير لأمر ما، إذ يبدو أن سعيّد يعمل على مشروع انقلاب دستوري بتنسيق مع أطراف إقليمية وداخلية، وعلى عكس ما رفضه الراحل الكبير الباجي قايد السبسي من ضغوط إقليمية للانقلاب، يبدو أن سعيد متورط في مشروع ما، لا يتوقف عن التذكير بأنه الرئيس الوحيد، وهو الأمر الحقيقة الذي يعكس أزمة ثقة لدى الرجل في نفسه، ثم يعطّل مؤسسات الدولة فيما يصرف ساعات في الخط بالريشة بينما لا يجد وقتا للتحاور مع رئيسي الحكومة والبرلمان.
يبدو سعيد جامدا كالصنم، لا يمتلك أي كاريزما، غير لغة عربية متقعرة لا يُفهم أحيانا مقصوده من بعض التركيبات اللغوية التي يستعملها في خطبه، فللأسف في تونس بتقديري رئيس يسعى لاستدعاء الانقلاب ويمهد له، هذا الرئيس برأيي من أكبر أخطاء التجربة التونسية، لكنها بتقديري ستبدع طريقا ديمقراطيا للتخلص منه.