"استوكهولم" السورية!
يبدو أن متلازمة "استوكهولم" الشهيرة، أصبحت عربية خالصة. فالولاء والتعاون والتعاطف مع القاتل والمجرم والمستبد القمعي الذي يظهره موالو تيار الممانعة (الأسد وحزب الله وإيران) من جهة، وموالو القاعدة (جبهة النصرة وأخواتها) من جهة أخرى، يدخل في خانة هذه الظاهرة النفسية التي سميت "متلازمة استوكهولم" في عام 1973، بعد أن سطت مجموعة من اللصوص على بنك "كريديتبانكين" في مدينة استوكهولم في السويد، واتخذوا بعضاً من موظفي البنك رهائن لمدة ستة أيام. وخلال تلك الفترة بدأ الرهائن بالارتباط عاطفياً مع الجناة، ودافعوا عنهم بعد إطلاق سراحهم.
في تعريف هذه "المتلازمة": "عندما يكون الضحية تحت ضغط نفسي كبير، فإنه يبدأ لا إرادياً بصنع آلية نفسية للدفاع عن النفس، وذلك من خلال الاطمئنان للجاني، خاصة إذا أبدى الجاني حركة تنمّ عن الحنان أو الاهتمام، حتى لو كانت صغيرة جداً. فإن الضحية يضخمها وتبدو له كالشيء الكبير جداً، وفي بعض الأحيان يفكر الضحية في خطورة إنقاذه، وأن من الممكن أن يتأذى إذا حاول أحد مساعدته أو إنقاذه، لذا يتعلق بالجاني".
هذا التعريف المبسط للحالة، يختزل كثيراً ما يحدث مع بعض العرب عموماً والسوريين خصوصاً، الذين يتعاطفون مع (الممانعاتية المجرمة التي تدعي محاربة إسرائيل، والقاعدية المتطرفة التي تدعي الإسلام والشرع).
بين تيار قومجي يدعي "العلمانية"، وبين تيار ديني يدعي "الإيمان"، يبقى بعض من السوريين والعرب ضحايا، لوِصاية وقمعية وامتهان للإنسانية
فرغم إجرام الأسد وآلته، و"حزب الله" ومليشياته، وإيران وروسيا ومرتزقتهما، من القتل بالبراميل المتفجرة والقصف والصواريخ والغارات الجوية، وحتى الكيماوي، إضافة إلى الاعتقال والتعذيب والتشريد؛ فإن بعض هؤلاء ما زالوا يرون الخلاص على يد الطغاة.
فالنظام القمعي الأسدي، ومن والاه، والذي يدعي الممانعة "لم يطلق طلقة واحدة باتجاه إسرائيل منذ السبعينيات، فيما قتل أكثر من مليون سوري منذ 2011"، تحول مع الزمن ومع عدم امتلاك الشعب لشرعية السلطة، واقتصاره على العائلة الحاكمة، التي عاثت فساداً في سورية، وحولتها إلى مزرعة تسرح وتمرح فيها كما تشاء، وأصبح وسيلة قمعية ضاغطة على الأفراد في المجتمع السوري خصوصاً، ولمدة طويلة، امتدت إلى خمسة عقود، والذين بدورهم (الأفراد) طوروا علاقة الخوف مع النظام، وأضحوا ضحيته، ليقوم هذا النظام (الأسد الأب والابن من بعده) بابتزاز المجتمع، ومع مرور الوقت، اعتاد بعض أفراد هذا المجتمع (الموالون خاصة) القمع والذل لدرجة جعلهم يخشون أي تغيير، ويتحولون إلى مدافعين عن هذا النظام القمعي، ويذكرون محاسنه النادرة على أنها ضخمة، ويغفلون كل جرائمه وفساده.
على الجانب الآخر، موالو القاعدة ليسوا بأفضل حال، فهم يعانون من هذه المتلازمة أيضاً، فينسون كل ما تقوم به هذه التنظيمات المتطرفة، من تضييق واعتقال، ومن فرض وصاية على الأفكار، والأحاسيس، ويتماهون معها.
فيما تقوم تلك التنظيمات بالاستغلال العاطفي لبعض العرب، عبر اللعب على وتر الدين والإيمان، ما جعل من هؤلاء البعض "توابع" مغيبي العقل والتفكير، يرفضون حتى الإشارة بأصابع الاتهام لمن يستغلهم، ويفرض وصاية على عقولهم، ودينهم، وأفكارهم، وأحلامهم.
بين تيار قومجي يدعي "العلمانية"، وتيار ديني يدعي "الإيمان"، يبقى بعض من السوريين والعرب ضحايا، لوِصاية وقمعية وامتهان للإنسانية.
"استوكهولم" السورية أو "استوكهولم" العربية ظاهرة ليست حديثة، بل قديمة قدم التسمية، وربما أقدم من يعاني منها شخص "مريض"، يعيش وهماً يجب أن نساهم جميعاً في علاجه، لأن هذا "المرض النفسي" معدٍ، وانتشاره سيكون وباءً على الإنسانية.