هل تستفيد الدول المستوردة من انخفاض أسعار النفط؟

20 يناير 2015
+ الخط -
منطقياً، يمكن القول إن تراجع أسعار النفط سيخفض من التكاليف على الدول المستوردة ويخفض عجزها، إلا أن المشكلات في السياسات الاقتصادية قد تكون عائقاً بنيوياً للنمو

محمد طارق: الدول المستوردة ستحقق النمو
يقول الأستاذ الجامعي المغربي محمد طارق إن الدول العربية المستوردة للنفط، استطاعت بسبب تراجع الأسعار العالمية لهذا الأخير، تحقيق نقط إيجابية بالنسبة لموازناتها ستظهر خلال السنة الحالية. ويؤكد أن هامش الفائض المالي سيكون مهماً في غالبية الدول المستوردة للنفط. ويورد طارق في حديثه مع "العربي الجديد" ثلاثة أمثلة لدول تعتبر مستوردة للنفط، لإيضاح حجم ما استفادته من الأسعار الحالية.
إذ يؤكد أن المغرب يخصص أكثر من 10.77 مليارات دولار لتمويل وارداته من المحروقات وزيوت التشحيم. وتختلف الفاتورة باختلاف الأسعار في الأسواق الدولية، إذ إن كل زيادة بدولار في سعر برميل النفط تعني تكاليف إضافية بأكثر من 64.65 مليون دولارعلى ميزانية الدولة.
وبسبب تراجع النفط، فإن المغرب سيرفع من مداخيل الميزانية، ويقلل من نسبة العجز. ومن جهة أخرى، سيساهم في تخفيف الضغط على المالية العمومية، وسيعزز التوازنات الخارجية للمغرب بما لذلك من انعكاس على موجوداته من العملة الصعبة. وهكذا يضيف المتحدث ذاته، ستوفر ميزانية الدولة ما لا يقل عن 13 دولاراً عن كل برميل نفط، أي أن المغرب يمكن أن يوفر نحو 840.49 مليون دولار من الميزانية المخصصة للمحروقات.
من جهة أخرى، يشير طارق إلى أن إنتاج تونس من البترول تراجع إلى 57 ألف برميل يومياً بعدما شهدت سنة 2014 ندرة الاستكشافات. حيث عملت الحكومة على ضبط سعر برميل النفط في حدود 97 دولاراً للعام المقبل عند إعداد مشروع ميزانية 2015 مقارنة بسعر 110 دولارات الذي تم على أساسه إعداد ميزانية سنة 2014. كما أن الحكومة التونسية تعمل على ترشيد الدعم في قطاع الطاقة عبر السعي إلى تخفيضه إلى النصف سنة 2015، ليصبح في حدود 950.1 مليون دولار، بعد أن كان نحو 1.9 مليار دولار في سنة 2013.
ويلفت إلى أن هذه الوضعية ستخفف من حاجة تونس إلى إصلاح نظام الدعم الحكومي، كما أن انخفاض أسعار النفط في حال استمراره، سيؤدي إلى الرفع في نسب النمو التي لم تتجاوز في تونس 2.1 % خلال سنة 2014، بينما الهدف بلوغ 2.8 % حسب ما ورد في قانون المالية لسنة 2015، وهو ما من شانه أن يقلص من معدلات البطالة التي تقدر في تونس بـ 15.2%. وفي حالة الأردن وهو بلد يستورد 97% من احتياجاته من الطاقة، يقول طارق إنه سيستفيد بشكل كبير من انخفاض أسعار النفط، وسوف يوفر سنوياً ما يقارب1.41 مليار دولار إذا استمرت أسعار المحروقات بالانخفاض.
وهذا ما سينعكس على أسعار المشتقات النفطية في الأردن. إذ سيستفيد كذلك قطاع إنتاج الطاقة الكهربائية الذي سيشهد تقليص تكلفته.
وبالتالي فإذا بقيت أسعار النفط الخام عند مستوياتها المتراجعة الحالية على مدى سنة 2015، فإن هذا سيعمل على تقليص فاتورة واردات النفط لكل من مصر والمغرب وتونس والأردن ولبنان بما نسبته 1 % من الناتج المحلي الإجمالي تقريبا، ومن المنتظر أن تتمتع نفس الدول بتخفيض سنوي مقداره أربعة مليارات دولار في إجمالي فواتير النفط الخام، مقابل كل تراجع بمعدل عشرة دولارات في السعر على أساس مستدام.

أحمد خير الدين:ضعف التخطيط يؤجّل الاستفادة من النفط
يفسّر الخبير النفطي اللبناني، أحمد خير الدين، عدم ظهور تحسن ملحوظ في اقتصاديات مجموعة من الدول العربية المستوردة للنفط، رغم التراجع الحاد في أسعار هذا الأخير، بأن هذه الدول أنفقت في السنوات القليلة الماضية ميزانيات ضخمة على الطاقة، خاصة خلال عام 2014 الذي شهد ارتفاع سعر البرميل الواحد من النفط إلى أكثر من 100 دولار.
ويرى أحمد خير الدين، في حديثه مع "العربي الجديد"، أن انحسار التدفقات والعائدات المالية التي تحصل عليها الدول العربية المستوردة للنفط، تجعل الاستفادة من هامش تراجع سعر البرميل اليوم مؤجلاً إلى حين استمرار الوضع كما هو لفترة طويلة.
ويذهب الخبير النفطي إلى حد القول بأن الدول المصدّرة للنفط بدورها لم تستفد من الفترة التي كانت فيها الأسعار منتعشة بشكل كبير، ويعزو ذلك إلى "غياب رؤية واضحة في المجال الاستثماري، والخلل في التوازن الاقتصادي، وحجم المدفوعات المالية اليومية التي تخرج من ميزانيات هذه الدول". ويشدد المتحدث ذاته على أن الأوضاع الأمنية الطارئة التي تعيشها غالبية الدول العربية، وتداعيات الحرب على سورية وكلفتها الباهظة سياسياً واقتصادياً، عوامل تبقى حاجزاً وسداً منيعاً أمام أي نمو اقتصادي منشود، خصوصاً أن غالبية هذه الدول هي من ضمن قائمة الدول المستوردة.
وما يغدي هذه الوضعية، يضيف أحمد خير الدين، "التخبّط الواضح في إدارة الأزمات الاقتصادية، وعدم كفاية البرامج التخصصية للتنمية في الدول المستوردة للنفط. وهذا أحد أهم عوامل تراجع معدلات النمو الاقتصادي لديها، وازدياد نسب البطالة والفقر، ناهيك عن اتساع حجم الهوة في الاستثمار والتشغيل والنمو بين القطاعين الخاص والعام". ويشير الخبير النفطي أحمد خير الدين، في معرض حديثه، إلى ضرورة اعتماد تخطيط مشترك بين الدول العربية، يجعل اقتصاداتها تتكامل، سواء على مستوى القطاعين العام أو الخاص.
ويفسر هذا التكامل بأنه كفيل بتجاوز اضطرابات الأسواق العالمية في العديد من القطاعات. ويلمح أحمد خير الدين إلى أن الدول العربية يمكن أن تصبح اقتصادات هائلة، وما تحتاجه هو تنسيق الجهود لتجاوز مثل هذه الأزمات، وتجاوز الوضعية الأمنية الراهنة، ووضع خطط محكمة ومسبقة لمواجهة الهزات الاقتصادية، وكذا التخطيط للاستفادة من مناخ الرخاء الاقتصادي في مراحل معينة، لكي تكون ركيزة الاستمرار في النمو وعدم التخبّط خلال فترة الأزمات التي تعصف بهذه الدول خلال مراحل معينة.

المساهمون