ارشُ واستثمر

12 نوفمبر 2014
رجال اعمال يعاقبون الدولة(خالد دسوقي/فرنس برس/getty)
+ الخط -
الأرقام هي اللغة التي يجيد رجال الأعمال فنّ قراءتها والتعامل بها كأوراق تودد وتقرّب من ‏الأنظمة الحاكمة أحياناً، والضغط عليها أحياناً أخرى للرضوخ لمطالبهم. مطالب تُقدَّم على ‏طاولة المفاوضات في الغرف المغلقة. ‏
أوراق المعركة لا تخرج عادة عن قاعدة الشد والجذب ما بين وعود بضخ استثمارات تتخذ شكل "الرشوة الاستثمارية"، أو تحويل الاستثمارات خارج البلاد، لتتخذ هنا شكل "العقوبات الاقتصادية" ضد النظام.

التهرب من الضرائب
ولفهم هذه الصراعات عملياً، لن نجد أفضل من نموذج معركة رجل الأعمال الأغنى في مصر ‏ناصف ساويرس (ثروته 6.7 مليار دولار) ضد الدولة المصرية.
معركة تتعلق بعدم الالتزام بسداد ضرائب بقيمة ‏‏7.1 مليار جنيه مصري (993 مليون دولار)، ناتجة عن تسوية مالية أبرمها مع ‏الدولة عام 2013 عن الأرباح المحققة من بيع إحدى شركاته. ‏
المعركة التي مرت بأربع جولات ساخنة على مدار عامين، حسمها ساويرس بالضربة القاضية ‏بحصول شركته "أوراسكوم" للإنشاء والصناعة أخيراً على حُكم صادر عن مصلحة الضرائب المصرية بالتبرئة من تهمة التهرب الضريبي. تهمة نُسبت إلى الشركة في عهد ‏الرئيس محمد مرسي خلال عام 2012. ‏
القراءة بين سطور القضية تكشف الدور بالغ الأهمية الذي لعبته لغة الاستثمارات. حيث اقترن حُكم ‏البراءة الصادر أخيراً، بإعلان ساويرس في اليوم نفسه عن الدخول في شراكة مع شركة "أيبيك" لإقامة ‏محطة كهرباء بقدرة تتراوح بين 2000 و3000 ميغاوات وبتكلفة ثلاثة مليارات دولار. ‏وذلك بعد الاتفاق مع الحكومة المصرية برئاسة إبراهيم محلب على المشروع.
ولاستقصاء دور الضغط الاستثماري خلال جولات المعركة، علينا استعراض الأوراق التي وظفها ‏ساويرس في كل مرحلة. فالمسألة تعود إلى عام 2007، حين قامت "أوراسكوم" بنقل ملكية قطاع ‏الإسمنت إلى شركتها التابعة "أوراسكوم بلدنج ما تريليز" ثم قيدها بالبورصة المصرية في 24 ‏أكتوبر/تشرين الأول من نفس العام، على الرغم من أنها كانت مقيدة قبل عام واحد فقط، ولكنها فضّلت الشطب حينها.‏
وكان قيد الشركة هذه المرة يهدف إلى تمهيد بيعها إلى شركة "لافارج" الفرنسية في 2008 ‏مقابل 8.8 مليار يورو من دون دفع ضرائب عن الأرباح الرأسمالية المحققة من صفقة البيع. وذلك بعد الإفادة ‏من الإعفاء الضريبي الذي تمنحه البورصة للشركات المقيدة آنذاك بهدف تشجيع الشركات على ‏طرح أسهمها بسوق المال. بيد أن الشركة الفرنسية شطبت أسهم أوراسكوم بلدنج من البورصة في ‏‏4 فبراير/شباط 2009.‏
وظل ذلك الملف خامداً حتى فتح الرئيس السابق محمد مرسي النار على عائلة ساويرس، بتوجيه اتهام ‏لشركة أوراسكوم بالتهرب من سداد ضرائب تقدر بـ 14 مليار جنيه مستغلة ثغرات قانونية.‏
ليتحول حينها الأمر إلى صراع بين نظام يقوده رئيس ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين من ‏جانب، والعائلة الأغنى في مصر بثروة قدرها 13.2 مليار دولار أميركي.
لم ينتظر ناصف ساويرس كثيراً لاستخدام لغة الأرقام، فقام في عام 2013 بنقل حصته في ‏أوراسكوم إلى شركة هولندية تابعة لأوراسكوم، بهدف إدراج استثماراته ‏تحت مظلة حماية أجنبية. وذلك إلى جانب شراء ساويرس أغلب أسهم "أوراسكوم" المتداولة في البورصة المصرية ‏ثم قيدها في بورصة أمستردام الهولندية عقاباً للنظام المصري.‏
أغلقت بذلك أبواب الجولة الأولى من المعركة، لتبدأ الجولة الثانية بمفاوضات بين الشركة والنظام ‏أسفرت في أبريل 2013 عن إبرام تسوية تقضي بسداد أوراسكوم سبعة مليارات جنيه على عدة أقساط ‏بدأتها فعلياً بدفع 2.5 مليار جنيه.‏
بيد أن هذا التفاهم لم يدُم طويلاً، حيث جاء الرئيس عبد الفتاح السيسي، وامتنعت الشركة عن سداد بقية أقساط التسوية، بل حققت مفاجأة مدوية بالحصول ‏على تبرئة صادرة عن النيابة العامة من تهمة التهرب الضريبي.‏
وعلى إثر ذلك، منح ساويرس مكافأة مؤقتة للنظام لحين حسم لجنة الفحص الضريبي الأزمة نهائياً داخل ‏أروقة الجهاز الحكومي. حيث قام بالإعلان عن تأسيس صندوق استثماري برأسمال 2.2 ‏مليار دولار.
ولم تفشل لغة الاستثمارات التي أجادها ساويرس جيداً خلال أي مرحلة من الصراع. حيث ختم ‏الجولة الرابعة بحُكم البراءة الصادر أخيراً عن لجنة الفحص الضريبي مقابل ضخ ثلاثة مليارات ‏دولار استثمارات جديدة... بما يوازي تقريباً القسط الأول الذي من المفترض أن يدفعه ساويرس لسداد الضرائب.
المساهمون