مادونا و"صور مسيئة"

23 يناير 2015

صورة مادونا على غلاف ألبومها الجديد

+ الخط -
هناك، في مكتبةٍ في مجمع تجاري في بوينس آيرس، سألت موظفةً شابة حسناء فيها عن كتبٍ عن إيفا بيرون، أيقونة الأرجنتين، وكنت قبل أيام فقط قد شاهدت فيلم ألن باركر عنها "إيفيتا"، وذلك قبل 17 عاماً. أجابتني أن المكتبة تتوفّر على عشرة كتب مما أطلب، لكنها بالإسبانية التي أبلغتُ الشابة أنني لا أعرفها، فكانت دردشتنا بالإنجليزية الطفيفة. ولمّا شعرتُ أن الحديث بيننا سينقطع، سألتها عن رأيها في الفيلم الذي كانت عروضه في العالم مستمرة، إنْ شاهدتْه، فأجابتني بتبرمٍ إنه تافه ما دام أن الساقطة مادونا هي التي أدّت فيه دور "أعظم امرأة في الكون". فاجأني هذا التطرف الذي سمعت، وشعرتُ بأني لن أفلح في جدالٍ بشأنه، بسبب محدودية لغتنا الإنجليزية، أنا ومحدّثتي، ولأنه لا ناقة لي ولا جمل، إذا كانت مادونا ساقطة أو لم تكن، فيما إيفا بيرون عظيمة. وكنتُ (وما زلت) على قناعة بأن المغنية والممثلة الأميركية الشهيرة بدت قديرةً في أدائها دورها في الفيلم الجميل، لكنّ سؤالاً جاء إلى خاطري لاحقاً، عمّا إذا أرادت أن تقرن صورتها العامة بصورة امرأةٍ نبيلة، ذات مكانة عاليةٍ بين الفقراء، وكانت نصيرتهم في بلادها بلا حدود، وفي سيرتها دراما وفيرة. هل أرادت مادونا ذلك، وهي التي دشّنت سيرتها (الفنية؟) بتصوير أفلام خلاعية، وواصلت أمرها ذاك، وإنْ بإيقاعٍ أقل، تالياً؟
يسّر استدعاء تلك الواقعة الأرجنتينية إلى هنا أن غلاف ألبوم مادونا الجديد صُمّمت عليه صورتُها مع صور مشاهير آخرين، على كل منها خيوط شريطٍ أسود، بينهم مارتن لوثر كينغ ونيلسون مانديلا وبوب مارلي، الأمر الذي أغاظ كثيرين جداً، نشطوا في مواقع التواصل الاجتماعي في تقريع مادونا، ما اضطرها، قبل أيام، إلى إشهار بيان اعتذار، قالت فيه "إنها لم تقصد الإساءة إلى هؤلاء العمالقة، ولم تكن تقارن نفسها بأيٍّ منهم". والبادي أن سوء السمعة الذي تحظى به مغنية البوب المعروفة يورّطها في ما لا تتوقعه، فمانديلا حارب من أجل الحرية، وليس من أجل ألبومها، على ما علّق غاضبٌ من فعلتها. وخاطبها آخر بأنه لم يكن يتخيّل أن تنحدر إلى هذا المستوى، فتستخدم صور الأعلام لخدمة أغراضها الشخصية. واعتبر أحدهم أن "الأمر الشائن الذي ارتكبته مادونا يستدعي التدخل السريع". والطريف أن ما استوقف كثيرين في اعتذار النجمة الشهيرة أخطاؤه النحوية والإملائية.
لا يجوز، إذن، لمادونا (58 عاماً) التي قالت، في مقابلة صحفية معها، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ظهرت فيها شبه عارية، إنّ الدعارة أهم مهنة، أن تتجاور صورتها مع صور أيقونات محترمة، إيفا بيرون قبل نحو عقدين، ومانديلا ولوثر كينغ قبل أسبوعين، وقد اعتُبر أنها أظهرت المناضليْن الأسوديْن، وكذا المغني بوب مارلي، في صور مسيئة، وتسرّب ظنٌّ أن شيئاً من العنصرية في الأمر، وهو ما حرصت مادونا على نفيه، وهي صادقة، طالما أنها تتبنى طفليْن إفريقيين، وزارت بلداناً في شرق إفريقيا، تعاطفاً مع الأطفال هناك، وموّلت وحدة طبية لهم في مستشفى في مالاوي، وبنت مؤسسةً خيريةً تحمل اسمها عشر مدارس في هذا البلد المنسي.
مادونا التي كان قد وصف بابا الفاتيكان، قبل سنوات، أَفلاماً لها بأنها "الأكثر شيطانية في تاريخ البشرية"، لا يجوز لها إظهار صور لمانديلا ومارتن لوثر كينغ، أجرى عليها "الفو توشوب" شرائط سوداً، فبدت وكأنها صور مسيئة. .. مادونا التي لمّا أطالت لسانها، مرة، على البريطانيين، قال كاتب منهم إنه لم يكن ينقصهم إلا أن تشتمهم مادونا، اعتذرت عن هذه الصور، ويغشاني شعورٌ بتعاطفٍ معها، في أتون الغضبة الراهنة منها، كما شعورٌ بعيد لم أغامر بالتصريح عنه قدّام شابة في بوينس آيرس قبل سنوات.
  
دلالات
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.