تدهور الليرة السورية ينذر بمزيد من الأزمات

11 يناير 2015
إنذار بالمزيد من الأزمات الاجتماعية (Getty)
+ الخط -
في ظروف سياسية واقتصادية عصيبة، وعلى امتداد أربع سنوات، واصلت قيمة العملة السورية انخفاضها بصورة ‏تدريجية. مرت مراحل، كادت فيها السلطات النقدية على وشك فقدان السيطرة، وصولاً إلى انهيار قيمة الليرة السورية أمام ‏العملات الأجنبية. حدث ذلك، على سبيل المثال، في صيف العام الماضي 2013، في أعقاب تهديد الولايات المتحدة بتوجيه ‏ضربة عسكرية للنظام السوري. حينها، وصل سعر الصرف إلى 300 ليرة سورية للدولار الأميركي الواحد في مقابل 90 ‏ليرة قبل ذلك ببضعة أشهر. أما قبل اندلاع الثورة السورية، فقد سجل سعر الصرف أقل من 50 ليرة مقابل الدولار الأميركي.‏

استنزاف الاحتياطي
يعزو الباحث الاقتصادي، آدم محمد، في حديث لـ"العربي الجديد"، ذلك التدهور إلى "استنزاف احتياطيات القطع الأجنبي من ‏العملات والمعادن الثمنية الموجودة في البنك المركزي للدولة، حيث جرى تبديده على العمليات العسكرية. فضلاً عن ‏تحويل الاقتصاد السوري من اقتصاد منتج وخدمي إلى اقتصاد حرب مغلق"‏‎.‎
لكن سعر الصرف كان يستعيد توازنه بصورة دائمة، حيث نجحت السياسة النقدية الحكومية في تجنب انهيار قيمة الليرة. ‏ساهمت التدخلات المباشرة للمصرف المركزي في السوق بخفض المضاربات وبمحاصرة نشاط السوق السوداء. كما ‏صدرت تشريعات عديدة حاولت كبح هبوط سعر الصرف، كان أبرزها المرسوم الصادر في صيف 2013 حين هبطت ‏الليرة إلى مستوى سحيق، حيث نص على أن الليرة السورية هي الوسيلة الوحيدة للمدفوعات أو للتداول ضمن الأراضي ‏السورية، وجرّم عمليات تسعير السلع بالدولار الأميركي. ‏
يضيف محمد أسباباً أخرى ساعدت على عدم انهيار سعر الصرف، حيث "قامت الحكومة بتحرير وتعويم أسعار الصرف لكي ‏تتحدد قيمتها التوازنية بحسب قوى العرض والطلب"، في حين كانت تتم زيادة العرض النقدي عبر ضخ كميات نقدية من كلا ‏الطرفين "النظام السوري، الذي يمتلك القطع الأجنبي، والمعارضة السورية، التي تصلها مساعدات بالقطع الأجنبي". ‏ويضيف محمد أن الطلب على القطع الأجنبي في سورية "انخفض من جهة قطاع الأعمال بعد تضرر نحو 80% من هذا ‏القطاع بفعل الحرب، وانحسار الاستيراد، ونزوح السكان".‏
شهد العام 2014 استقراراً نسبياً في سعر صرف الليرة السورية، إذ تراوح بحدود 150-160 ليرة مقابل الدولار. غير أن ‏الليرة السورية شرعت بالهبوط بمجرد إعلان التحالف الدولي توجيه ضربات عسكرية لتنظيم الدولة الإسلامية في سورية، ‏إذ هبطت في غضون الشهرين الماضيين لتسجل اليوم نحو 205 ليرات سورية مقابل الدولار.

استمرار التدهور بفعل الحرب
يتوقع الباحث الاقتصادي ‏السوري، رامي العطار، استمرار تدهور سعر الصرف، ويقول في حديث لـ"العربي الجديد": "مع استمرار الحرب، ومع ‏توقف عجلة الإنتاج، لا يمكننا إلا أن نتوقع مزيداً من الانخفاض في قيمة الليرة السورية. وذلك على الرغم من سياسات البنك ‏المركزي التي تعمل على تأخير عملية الارتفاع والسيطرة على المضاربين الذين يقومون برفع سعر الدولار عبر زيادة ‏الطلب عليه بعقود وهمية ليقوموا لاحقاً ببيعه عندما يحقق سعراً أعلى من مستواه الواقعي".‏
وحول الآليات الممكنة لكبح هبوط قيمة الليرة في ظل استمرار الحرب، يقول العطار: "بالإضافة إلى أدوات البنك المركزي ‏التي تساعد في استقرار نسبي لسعر الصرف، يجب توجيه عمليات المضاربين إلى سوق أخرى تحقق مصالحهم، كسوق ‏دمشق للأوراق المالية. إذ إن مؤشر السوق يمر حالياً بمرحلة هبوط، حيث ينخفض السعر السوقي لغالبية الأسهم عن ‏سعرها الدفتري".
تعاني البلدان التي انهارت فيها قيمة العملية المحلية أو انخفضت لمستويات كبيرة، من آثار سلبية طويلة تعيق الأداء ‏الاقتصادي وتتسبب بتوترات اجتماعية خطيرة. ولا يبدو أن سورية ستكون بمنأى عن تلك التداعيات التي يلخصها محمد بـ‏‏"انخفاض القيمة الشرائية للعملة المحلية الذي يؤدي عادة لارتفاع في أسعار الفائدة، ما يعني زيادة كلفة الائتمان والذي ‏يؤدي بدوره إلى انخفاض الإنتاج. ويترافق كل ذلك مع انتشار للبطالة وانخفاض للأجور وزيادة في معدلات الفقر".‏
فيما يعتقد العطار أنه، وبعد "التوصل إلى أية تسوية سياسية وعودة عجلة الاقتصاد إلى الدوران من جديد، لن يكترث ‏السوريون كثيراً بقيمة الدولار الأميركي مقابل الليرة السورية سواء كانت مرتفعة أم منخفضة، إذ إن توقف الحرب سوف ‏يعود على المواطن السوري بمزيد من الإنتاج، ومزيد من السيولة، ولا سيما بعد دخول الشركات الأجنبية، وانطلاق ‏عمليات إعادة الاعمار".‏
دلالات
المساهمون