فيما يسعى مجلس الوزراء الكويتي إلى اقتراض نحو 14 مليار دولار، بهدف سد عجز الموازنة الذي بلغ مستويات قياسية، تخطط الحكومة لتحميل المواطنين فاتورة الإصلاح الاقتصادي، إذ سيبلغ نصيب الفرد نحو 933 ألف دولار من خلال سلسلة إجراءات تستهدف زيادة الإيرادات الحكومية، وذلك حسب وثيقة حكومية صادرة عن إدارة الاقتصاد الكلي التابعة لمجلس الوزراء.
وكشفت الوثيقة، التي اطلعت عليها "العربي الجديد"، أن مجلس الوزراء سيقر برنامج الإصلاح الاقتصادي بالتوافق مع نواب مجلس الأمة الكويتي خلال الأشهر القليلة المقبلة، إذ سيتم فرض ضرائب وزيادة رسوم وإلغاء امتيازات ووقف التعيينات وتقليص نسبة العلاج في الخارج إلى 50%، فضلا عن سلسلة إجراءات أخرى لمعالجة الأزمة المالية الطاحنة التي تعيشها الحكومة الكويتية.
وقالت الوثيقة إن الحكومة تخطط لاقتراض نحو 14 مليار دولار خلال السنة المالية الحالية التي تنتهي في 31 مارس/آذار 2021، إذا وافق البرلمان على قانون للدين قدمته الحكومة ولاقى معارضة شديدة من النواب، فيما تسعى الدولة أيضا إلى بيع أصول تخص صندوق الاحتياطي العام لصندوق الأجيال القادمة كأحد الحلول المطروحة لتمويل العجز، كما سيتم دراسة وقف استقطاع نسبة الـ 10% التي تذهب إلى صندوق احتياطي الأجيال.
ومن المقرر أن تصوت لجنة الشؤون المالية والاقتصادية بمجلس الأمة (البرلمان) على قانون الدين العام، الذي سيسمح للسلطات بطرق أسواق الدين العالمية، قبل عرضه على البرلمان خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
وكان رئيس الوزراء الكويتي الشيخ صباح الخالد الصباح، قد أكد، مؤخرا، أنه ليس لدى الحكومة سيولة لدفع رواتب خلال الأشهر المقبلة، مشددا على أهمية إقرار قانون الدين العام حتى لا تتجه الحكومة إلى تسييل أصول الدولة في الخارج.
وفي السياق، كشف مصدر حكومي كويتي لـ "العربي الجديد" أن عملية الاقتراض التي ستنفذها الحكومة ستتم وفق ضوابط ومعايير محددة، وسيتم ربطها بخطة الإصلاح الاقتصادي التي انتهى منها وزير المالية الكويتي، براك الشيتان، بتكليف من رئيس مجلس الوزراء.
وأكد المصدر، الذي رفض الكشف عن اسمه، أن الحكومة تواجه أزمة حقيقية بسبب استمرار السحب من الاحتياطي العام الذي قارب على النفاد، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن عدم معالجة الوضع الحالي يعني الدخول إلى النفق المظلم وتحمل تبعات مالية واقتصادية ستؤثر على مركز الكويت المالي ومستقبل الأجيال القادمة.
وتعاني السلطات من أزمة مزدوجة بسبب تداعيات جائحة كورونا وتراجع الإيرادات النفطية على خلفية انهيار أسعار النفط الذي كان قد وصل إلى أدنى مستوياته، فيما تحاول الحكومة استعادة الاقتصاد لعافيته من خلال إقرار حزمة التحفيز الاقتصادي والعودة التدريجية للحياة الطبيعية واستئناف الأعمال والأنشطة الاقتصادية وإعادة فتح المجال الجوي.
إلى ذلك، قال الخبير الاقتصادي الكويتي، حجاج بوخضور، لـ "العربي الجديد" إنه لا خيار أمام الحكومة إلا المضي في الإصلاح الاقتصادي، لافتا إلى أن تأخر الإصلاحات هذه المرة والرضوخ إلى الضغوط النيابية الهادفة إلى كسب الأصوات الانتخابية سيفاقم الأزمة بصورة مرعبة.
وأكد بوخضور أن أرصدة الاحتياطي العام مهدّدة بالنفاد بسبب زيادة الإنفاق نتيجة إجراءات مواجهة تفشي فيروس كورونا في ظل تراجع الإيرادات وتوقف الأعمال والأنشطة الاقتصادية، محذرا في الوقت نفسه من استمرار نزيف الخسائر المالية وعدم استغلال الظرف الراهن في مواجهة حقيقية تسعى إلى إصلاح الخلل في الميزانية.
وكانت وكالة "ستاندرد أند بورز" للتصنيف الائتماني، قد عدّلت النظرة المستقبلية للكويت إلى "سلبية" من "مستقرة"، قائلة إنها تتوقع أن احتياطي السيولة الرئيسي، وهو صندوق الاحتياطي العام، لن يكون كافياً لتغطية العجز في ميزانية الدولة.
وقالت الوكالة إن رصيد صندوق الاحتياطي العام الكويتي كان يتناقص باطراد على مدار السنوات الثلاث الفائتة، لكن هذه العملية تسارعت في الشهور الأخيرة بعد التراجع في أسعار النفط وتطبيق الكويت لاتفاق أوبك+ لخفض إنتاج النفط.
وتعليقا على الخطوة التي قامت بها "ستاندرد آند بورز" قال وزير المالية الكويتي، براك الشيتان، السبت الماضي، إن مركز الكويت المالي "متين"، ولكن علينا استكمال الإصلاح في المالية العامة، بما يضمن ديمومة المؤسسات ورفاه المواطنين، مؤكدا أن تعديل النظرة المستقبلية هو "نتيجة تلقائية" لتدني السيولة في الاحتياطي العام، مبيناً أن السلطتين التنفيذية والتشريعية تعملان على إيجاد حلول لهذا التحدي.
على جانب أخر، دعا الباحث الاقتصادي الكويتي، عادل الفهيد، الحكومة إلى عدم تحميل المواطنين فاتورة الإصلاح الاقتصادي، مشيرا إلى أن الأزمة الحالية لم يتسبب فيها الشعب بل نتيجة القرارات والسياسات والممارسات الخاطئة للحكومة على مدار السنوات الماضية، حيث تجاهلت نداءات الإصلاح حتى جاءت جائحة كورونا وكبدت الاقتصاد خسائر فادحة.
وقال الفهيد خلال اتصال هاتفي مع "العربي الجديد" إنه ينبغي على الحكومة سد الثغرات التي يمر منها الفساد واستنزاف المال العام والهدر في الميزانية وتقليص المشروعات غير الضرورية ووقف الامتيازات الممنوحة للقياديين في الدولة، فضلا عن ضرورة فرض ضرائب تصاعدية على الشركات التجارية، مطالبا الحكومة بالإسراع في إقرار الحزمة التحفيزية لاقتصاد البلاد.