ويتكون القانون الجديد من 24 بنداً، وسيلغي العمل بالأمر الرئاسي المعتمد حالياً، والذي أصدره الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة منذ ما يزيد عن 40 عاماً، وتحديداً في 26 يناير/ كانون الثاني 1978، لمواجهة الإضراب العام الذي كان أعلنه الاتحاد العام التونسي للشغل حينها، بسبب انسداد أفق التفاوض مع الحكومة.
وشرّع الأمر الرئاسي حينها لنظام بورقيبة استعمال الحل الأمني عبر إقحام الجيش في فرض النظام وكسر الاحتجاجات النقابية والعمالية، لينتهي الخميس الأسود بمقتل وجرح عدد كبير من التونسيين، في صدامات دموية عنيفة بعد إعطاء الأوامر باستعمال الرصاص وفرض حظر التجول.
وتعيش تونس على وقع حالة الطوارئ منذ اندلاع الثورة، إذ يتم التمديد بشكل متواصل من قبل رئاسة البلاد بشكل روتيني مع انقضاء الأجل، حتى بعد إقرار دستور 2014، الذي ألغى العمل بالأوامر والمراسيم التي تمس بالحريات وحقوق الإنسان، غير أنه تواصل العمل بهذا الأمر لـ"دواعٍ أمنية".
وتعطي حالة الطوارئ السلطات صلاحيات استثنائية واسعة، مثل حظر تجول الأفراد والمركبات، ومنع الإضرابات العمالية، وفرض الإقامة الجبرية وحظر الاجتماعات، وتفتيش المحلات ليلًا ونهارًا، ومراقبة الصحافة والمنشورات والبث الإذاعي، والعروض السينمائية والمسرحية، وكل ذلك من دون وجوب الحصول على إذن مسبق من القضاء.
وفرض دستور الثورة في البند 65 منه أن تتخذ شكل قوانين أساسية النصوص المتعلقة بالحريات وحقوق الإنسان، بما يحدد من الصلاحيات المفرطة للسلطة التنفيذية والحكومة والرئاسة التي كانت تتمتع بها قبل ثورة 2011.
ويعطي الدستور هذه الصلاحية للبرلمان لفرض رقابة قبلية على القوانين التي يمكن أن تمس من الحريات، على غرار قانون الطوارئ الذي تعلقت به ذكريات مؤلمة في أذهان التونسيين.
وقال الأميرال ومستشار الأمن القومي لدى رئيس الجمهورية كمال العكروت، إن القانون الأساسي الخاص بتنظيم حالة الطوارئ لا يمس من الحريات التي أعطاها الدستور والتشريعات، مؤكدا في تصريح لـ"العربي الجديد" أن القانون ينص على ضمانات قضائية وتشريعية كثيرة، و"لكن لا يجب أن تعطل هذه الضمانات سرعة التنفيذ والتدخل الأمني والعسكري في حالة الطوارئ"، مشيرا إلى أن "القانون يتضمن تنظيم تدخل الجيش بالتنسيق مع الأمن لتنفيذ خطط جاهزة لحماية المنشآت الحساسة مثلاً".
ونفى العكروت أن يكون القانون الجديد مخالفاً للدستور، مؤكداً أن الهدف منه هو "ملاءمة وتطبيق الدستور الجديد، وقد تم احترام جميع الإجراءات وإشراك الأطراف المعنية، وتم إعداد القانون بقرار من رئيس الجمهورية، وبعد عرضه على مجلس الأمن القومي، وقد صادق عليه مجلس الوزراء".
وحول سنّ القانون للحدّ من حق الإضراب والتظاهر، بيّن العكروت أن "هذا الحديث سابق لأوانه، ولم يتم إقرار القانون بعد، على اعتبار أن مناقشته داخل البرلمان فرصة للتعديل والنظر فيه".
وينص القانون الجديد على تنظيم حالة الطوارئ بإعطاء صلاحيات للجيش الوطني لدعم السلطات المدنية والأمنية من خلال التدخل الميداني في المدن.
وينص على 7 إجراءات أساسية لفرض النظام العام والمحافظة على الأمن في حالة الطوارئ. وتتضمن هذه الإجراءات: أولاً منع جولان الأشخاص والعربات في أماكن وساعات محددة، أي "بفرض حضر التجول"، وثانياً تنظيم إقامة الأشخاص، بمعنى وضعهم تحت الإقامة الجبرية، وثالثاً "تحجير الإقامة على من يتعمد عرقلة نشاط السلط العمومية بفرض تهجيره من محافظته أو قريته"، ورابعاً اللجوء إلى تسخير الأشخاص والممتلكات لحسن سير المصالح، بمعنى إجبار مجموعة ومؤسسات على العمل في فترة الإضرابات القانونية والمكفولة بالدستور لضمان السير العادي.
وخامساً "منع كل صدّ عن العمل"، بمعنى استخدام القوة العامة لفرض العودة للعمل أو كسر الاحتجاج بقطع الطريق. وسادساً الغلق المؤقت للقاعات والفضاءات المخصصة للاجتماعات العامة والمحلات المفتوحة للعموم، وسابعاً وأخيراً منع الاجتماعات والتظاهرات والتجمعات التي تشكل خطراً على الأمن والنظام.
وعبّر النواب عن تخوفهم من المس بالحقوق والحريات المكفولة في الدستور، على اعتبار أن القانون يمكن فرض حالة الطوارئ لستة أشهر قابلة للتمديد إلى تسعة أشهر، يمكن خلالها توقيف نشاط الجمعيات وفرض حظر التجول، وعزل مناطق وفرض الإقامة الجبرية، وافتكاك جواز السفر والمداهمات وتفتيش الأشخاص، إلى جانب عقوبات زجرية وسجنية للمخالفين.
وعبر متابعون عن تخوفهم من تسخير الجيش لمهام مدنية وإقحامه في مهمات تضعه في تصادم مع المواطنين والمحتجين تخالف تنظيم عمل المؤسسة العسكرية ومجالات تدخلها وتدريبها القتالي والحربي، غير المعد للتعامل مع مدنيين، مؤكدين تقدير التونسيين لدور الجيش التونسي، الذي لم ينخرط في الصراعات السياسية أو خلافات السلطة، على غرار ما حدث في دول أخرى عاشت ثورات وعرفت انقلابات.