645 مليون أفريقي يعيشون في ظلام دامس

30 مايو 2016
محطة طاقة شمسية في المغرب (الأناضول)
+ الخط -

138 عاماً مرت على اختراع توماس أديسون المصباح الكهربائي، ومع ذلك لا يزال أكثر من 645 مليون أفريقي يعيشون حتى اليوم في الظلام الدامس، فيما يهلك الآلاف منهم، جراء تلوث الهواء الناجم عن استخدام الحطب في المنازل بغرض الطبخ.

معضلة مزمنة تعاني منها القارة السمراء، لها علاقة بنقص إمدادات الطاقة الكهربائية، في وقت تحتوي فيه بلدانها ثروات طاقية معتبرة، يجزم خبراء أنها كافية لتأمين احتياجات سكانها البالغ عددهم 1.1 مليار نسمة، بحسب أحدث الإحصائيات.

واقع مرير تعيشه قارّة لا تتعدّى فيها نسبة استهلاك الطاقة للساكن الواحد في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء 181 كيلووات مقابل ستة آلاف و500 كيلووات في أوروبا و13 ألف كيلووات في الولايات المتحدة الأميركية.

فجوة واسعة تفصل أفريقيا عن بقية مناطق العالم، كان لا بدّ من أن تشكّل محور اهتمام كلّ من رئيس البنك الأفريقي للتنمية، كينوومي أديسينا، والأمين العام السابق للأمم المتحدة، كوفي عنان، خلال الدورة الـ51 للمؤتمر السنوي للمؤسسة المالية الأفريقية، الذي عقد الأسبوع الماضي، في لوساكا عاصمة زامبيا، تحت شعار "الطاقة والتغيرات المناخية".

قضية يعتبرها مراقبون جوهرية نظراً للتضارب الصارخ المسجّل في قارة يزخر باطنها بموارد طبيعية قادرة - نظرياً - على تلبية احتياجات أكثر من مليار أفريقي، ويطرح أكثر من تساؤل حول هذه المفارقة اللافتة.

فأفريقيا تمتلك، بحسب ما جاء في كلمة ألقاها أديسينا أمام عدد من القادة والفاعلين والمحللين والمستثمرين الأفارقة، في المؤتمر نفسه "ما يفوق 10 تيراوات من الطاقة الشمسية، و350 غيغاوات من الطاقة الكهرومائية، إضافة إلى 110 غيغاوات من طاقة الرياح، و15 غيغاوات إضافية من الطاقة الحرارية الأرضية، دون إغفال الفحم والغاز اللذين بإمكانهما توفير الكهرباء بأقلّ الأسعار الممكنة".

وبحسب أحدث تقارير البنك الأفريقي للتنمية، فإن نيجيريا تضمّ 180 ترليون قدم مكعّبة من الغاز، أي ما يشكّل أكبر احتياطي للغاز في القارة الإفريقية، كما ينتج هذا البلد 37 مليار برميل من النفط، ما يجعله ثاني منتج لهذين الموردين الحيويين في القارة.

موارد طبيعية هائلة يقابلها إنتاج ضعيف للغاية مقارنة مع بلدان أخرى لا تمتلك الاحتياطيات ذاتها، غير أنّ إنتاجها استطاع أن يبلغ مستويات كبيرة، مثل الصين، هذا العملاق الذي يمتلك نصف احتياطي الذهب الأسود النيجيري، غير أنّ إنتاجه استطاع أن يصل في 2014، عتبة 4.2 ملايين برميل نفط يومياً، مقابل 2.2 مليون برميل في نيجيريا، وفق المصدر نفسه.

وضعٌ دفع برئيس البنك الأفريقي إلى دعوة قادة القارة والمستثمرين فيها إلى "تحرير" إمكاناتها الهائلة من الطاقة المتجددة، ودمجها مع الطاقة التقليدية من أجل توفير الكهرباء لسكانها، سعيا وراء كسر تلك المفارقة التي تكبّل نموّ بلدانها، وتوسّع الفجوة بينها وبين بقية بلدان المعمورة.

أما من جانب الخبراء والقادة الأفارقة، فإنّ الإمدادات الطاقية الكافية هي وحدها ما يمكنه أن يشكّل حافزاً ومحرّكاً للتغيير في قارة استطاعت، رغم السياق والظرفية العالمية غير المواتية، أن تحقّق نسبة نمو قياسية قدرت في 2015 بـ3%، ومن المنتظر أن تناهز 3.7% العام الجاري، و4.5% في 2017، بحسب توقعات البنك الدولي.

وفي محاولة لتعويض النقص المسجل على مستوى الإمدادات بالطاقة الكهربائية، تشهد القارة السمراء، مؤخراً، حركية متأتّية من بعث العديد من المشاريع بهذا الصدد، ضمن مساعٍ استثمارية تهدف إلى الاستفادة من موارد القارة وتأمين احتياجات أكبر عدد ممكن من سكانها من هذا المورد الحيوي، بينها محطة توليد الطاقة الشمسية "نور" في المغرب (تعتبر سابع أكبر محطة في العالم)، بقدرة إنتاجية تناهز الـ 160 ميغاوات.

ألكسندر كاستل، رئيس "ستايشن إنرجي" (محطة طاقة)، وهي مجموعة تعنى بدراسة الحلول المبتكرة في منطقة غرب أفريقيا (بوركينا فاسو وكوت ديفوار والسنغال) من أجل تمكين السكان من الخدمات الأساسية، قال إنّ مجال الطاقة ينبغي أن يمثّل أولوية بالنسبة للقادة الأفارقة، مضيفاً أنّ "الطاقة تعتبر معضلة القارة، خصوصاً أن الحرمان منها يعني آليا عدم التمتّع ببقية الخدمات الأخرى ذات الصلة، مثل الصحة أو الاتصالات أو التربية وغيرها".

وأشار كاستل إلى أنّ أفريقيا في حاجة إلى مشاريع تعنى بالبنية التحتية، ومن ذلك "غرف التبريد الشمسية، والتي بوسعها إنقاذ المحاصيل في قارة تخسر سنويا 40% من إنتاجها الزراعي بسبب مشاكل التخزين".

ومن أجل تحويل أفريقيا مستقبلاً إلى "قارة الأنوار"، قرر البنك الأفريقي للتنمية، خلال مؤتمره السنوي، إرساء "اتفاق جديد" يتعلق بالطاقة في القارة بالشراكة مع السلطات المحلية والمستثمرين الخواص والهيئات الطاقية الثنائية ومتعددة الأطراف.

"برنامج ثوري" أطلقته المؤسسة المالية الأفريقية، ويطمح، وفق أديسينا، إلى "ضمان ربط القارة الأفريقية، وبشكل كامل، بالكهرباء بحلول العام 2025".

ولتحقيق هذا الهدف، يخطّط البنك لتوفير عرض إضافي بـ160 غيغاوات من الطاقة الكهربائية، وربط 130 مليون شخص بشبكة الكهرباء و75 مليون بالشبكة الثانوية و150 مليون شخص بالطاقة النظيفة للطبخ".

ويخطط البنك الأفريقي للتنمية لتمويل الطاقات المتجددة وربط أفريقيا بالطاقة الكهربائية من خلال تخصيص جزء مهم من قيمة استثماراتها السنوية المخصصة للمشاريع التنموية (مقدّرة بحوالي 6.6 مليارات دولار)، وذلك من خلال وضع آليات مبتكرة لضخ مبلغ يتراوح بين 40 إلى 70 مليار دولار سنويا، بدل 22.5 مليار دولار المستثمرة في القطاع عام 2014.

دلالات
المساهمون