6 خطوات مطلوبة من مصر لتغيير الموقف الأميركي

27 اغسطس 2017
السيسي وترامب خلال لقائهما في واشنطن في مايو (الأناضول)
+ الخط -


شهدت الأيام الماضية اتصالات مباشرة وغير مباشرة بين القاهرة وواشنطن لدراسة مستقبل العلاقات بين البلدين، على ضوء القرار الأميركي بتجميد وتأجيل بعض المساعدات العسكرية والاقتصادية لمصر. انصبّت الاتصالات في المقام الأول على رغبة الجانب المصري في معرفة شروط الجانب الأميركي لصرف المساعدات، والأسباب المباشرة التي دعت الرئاسة الأميركية لعدم الاعتراض على رغبة الكونغرس في اتخاذ هذا القرار، بعد أن كان الموضوع المطروح بين الرئيسين المصري عبدالفتاح السيسي والأميركي دونالد ترامب خلال زيارة الأول إلى واشنطن في إبريل/ نيسان الماضي، دار حول فرص زيادة المساعدات، لا تأجيل بعض المبالغ منها أو تجميدها.

وأصدرت الرئاسة المصرية بياناً، يوم الجمعة، ذكرت فيه أن السيسي تلقى اتصالاً هاتفياً من ترامب، مكتفية بأن الطرفين عبّرا عن رغبتهما في المضي قدماً بتطوير العلاقات بين البلدين "والتغلّب على أي عقبة تواجهها"، في إشارة لتحييد ترامب أو تصويره كالمسؤول الأميركي الأقل إضراراً بالمصالح المصرية. وهو ما تناغم مع الرؤية التي روّجتها الصحف المصرية الموالية للسيسي والتي بدأت في شن حملة إعلامية على وزير الخارجية ريكس تيلرسون واتهامه بالتسبب في الأزمة الأخيرة.

مصادر عدة في وزارة الخارجية المصرية، بديوان الوزارة بالقاهرة وببعض المدن الأميركية الرئيسية، كشفت لـ"العربي الجديد"، أن "وزير الخارجية سامح شكري كلّف السفير المصري في واشنطن، ياسر رضا، وعدداً من القناصل بالولايات المتحدة بالإضافة لسفراء وقناصل حاليين وسابقين، عملوا في الولايات المتحدة بالتواصل مع أكبر عدد ممكن من النواب والدبلوماسيين الأميركيين للتعرّف على ما يمكن وصفه بـ"الشواغل الأميركية، والشروط التي تراها الدوائر السياسية المختلفة، تحديداً داخل الحزب الجمهوري، مناسبة لعودة المساعدات، بل وزيادتها خلال السنوات المقبلة، أو على الأقل ضمان تدفقها من دون تجميد أو اقتطاع من شقيها الاقتصادي والعسكري".

وأضافت المصادر أن "دبلوماسيين مصريين مُبعدين حالياً من المشهد الرسمي، نتيجة عمل بعضهم مع نظام حكم جماعة الإخوان، أو عدم ثقة الوزير الحالي والدائرة الاستخباراتية الرقابية فيهم، بدأوا هم أيضاً بمبادرة ذاتية، اتصالات شخصية مع أصدقائهم من النواب والدبلوماسيين الأميركيين، لاستطلاع ما يجري في الدوائر الأميركية، ومحاولة إيجاد حلول تمنع تفاقم الأزمة المصرية، إيماناً من هؤلاء الدبلوماسيين بعدم صحة المسار الرسمي الذي تتبناه الخارجية المصرية وتبعيتها المطلقة لتقديرات السيسي وتصوراته عن علاقاته بالدول، والتي أثبتت الأزمة الأخيرة عدم صحتها، خصوصاً بما يتعلق بعلاقته بترامب.



وأوضحت المصادر أن "حصيلة تلك الاتصالات أكدت بما لا يدع مجالاً للشك أن هناك خلافاً في الدوائر الأميركية المختلفة حول الشروط والإجراءات الواجب على مصر اتخاذها لاستعادة ثقة الولايات المتحدة. كما أن هناك تفاوتاً في الشواغل الخاصة بكل دائرة من ناحية المواضيع والأمور المطلوبة من مصر، لكن تراكم هذه الشواغل هو الدليل الأكبر على فشل الجانب المصري على مدار 4 سنوات في التعبير عن أفكاره والتأثير على دوائر صنع القرار الأميركية. كما أن التمترس حول نظرية تأييد الحزب الديمقراطي وعلى رأسه الرئيس السابق باراك أوباما لنظام الإخوان ولثورة يناير 2011، من دون محاولة تغيير التصور الذي أصبح سائداً عن النظام المصري في الأوساط السياسية الأميركية، سواء كانت تنتمي للحزب الديمقراطي أو الجمهوري".

وأضافت أن "مفاد هذا التصور هو أن السيسي شخص معادٍ بطبيعته للديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، وصل لرئاسة الجمهورية مدعوماً بالجيش، الذي هو القوة المنظمة المسلحة الوحيدة في مصر والمتمتع باستقلال اقتصادي كامل عن الدولة المصرية، مستفيداً بالمساعدات الأميركية والخليجية من ناحية وبالمشروعات العملاقة التي يستغلها لتحقيق مكاسب مالية من ناحية أخرى. كما ألا رؤية سياسية كاملة للسيسي في شأن لما يجري في منطقته، وهو ما نتج عنه تقزيم دور مصر السياسي وتبعيتها للإمارات تارة وللسعودية تارة ولروسيا أو الولايات المتحدة تارة أخرى، وبرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي يتبناه يخفف أعباء الدولة على المدى البعيد، لكنه لا يرفع الظلم الاجتماعي عن كاهل الفقراء، ولا يقترب في الوقت نفسه من المكاسب الاقتصادية والسياسية التي حققها الجيش ورجال الأعمال والإعلام والدولة المقربين منه".

وأشارت المصادر إلى أن "جماعات الضغط السياسي التقليدية في واشنطن تتبنّى هذا التصور، بل ويزيد عليه بعض النواب والسياسيين والإعلاميين بأن السيسي غير مأمون الجانب، وليس صريحاً وينافق الولايات المتحدة، لكنه يخشى ضغوطها لفتح المجال العام. ما يدفع المصادر إلى الاعتقاد بأن تلك التصورات مجتمعة لم تعط أي فرصة لترامب لمقاومة الضاغطين عليه بمختلف انتماءاتهم، حتى من داخل إدارته الخاصة، لا سيما أن ترامب وضع نفسه منذ اليوم الأول لولايته تحت الضغط، في ما يتعلق بملفات حقوق الإنسان وتداول السلطة في العالم الثالث نتيجة آرائه التي يرى كثيرون، حتى من داخل حزبه، بأنها رجعية ولا يمكن للكونغرس تبنيها مستقبلاً".

أما الخطوات التي تؤمن الدوائر الأميركية بأنه يجب على مصر اتخاذها، فقد وصفت من قبل بعض النواب بـ"الشروط المحتملة". وهي متنوعة على أكثر من مستوى؛ أولها "ضمان السماح لمنظمات المجتمع المدني الأميركية بممارسة عملها في مصر، كجمعيات أجنبية تنشط في مجال العمل الأهلي والتنموي السياسي والاجتماعي والاقتصادي والتعليمي، دون قيود أمنية أو استخباراتية، على أن تنسق واشنطن مع القاهرة في مجالات العمل والجهات الحاصلة على التمويل. تماماً كما كان الوضع قبل ثورة يناير 2011، وقبل فتح قضية "التمويل الأجنبي" الذي كان السيسي خلالها مديراً للاستخبارات الحربية، ومشرفاً على إعداد تقرير اتهم منظمات أميركية بالتحريض على الاستقرار في مصر.



وتقضي هذه الخطوة من وجهة نظر نواب بالكونغرس بـ"إجراء تعديل على القانون الجديد المنظّم للعمل الأهلي يضمن استقلال المجتمع المدني عن الأجهزة الأمنية، وضمان سلامة جميع النشطاء الحقوقيين والمدنيين الأميركيين الذين عملوا في مصر سابقاً والذين سيعملون بها مستقبلاً، وكذلك الجمعيات التي تلقّت في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك تمويلاً رسمياً من الجمهوريين والديمقراطيين".

والخطوة الثانية هي "تخفيف الضغوط على المجال السياسي". وبحسب المصادر الدبلوماسية المصرية، فإن "الدوائر الأميركية لا تنشغل كثيراً بأمر تعديل الدستور لإطالة مدة ولاية السيسي، أو المرشح المحتمل ضده في الانتخابات العتيدة حال إجرائها، لكن واشنطن مهتمة بإحراز تقدم على صعيد المشاركة السياسية، تضمن بشكل أساسي تخفيف القيود والملاحقات الأمنية على أعضاء الأحزاب الليبرالية واليسارية، والسماح للتيار الإسلامي بالعمل السياسي والبدء في الإفراج عن المعتقلين في قضايا ما بعد 2013 لتقليل مخاطر التحول للتطرف. ولكن مسألة الإخوان المسلمين ليست ملحة في واشنطن، فهم مهتمون أكثر بتمثيل التيار الإسلامي بصفة عامة، سواء تحقق ذلك عبر مجموعات سابقة من الإخوان أو منشقة عنهم أو أحزاب إسلامية مختلفة معهم".

أما الخطوة الثالثة فمتعلقة بالجيش والحياة الاقتصادية، ويتبنّاها نواب جمهوريون سبق أن زاروا القاهرة أكثر من مرة خلال العامين الماضيين وتباحثوا حول هذه القضية. والصورة الأمثل بالنسبة لهم هي "تقليل أعمال الجيش في الحياة المدنية والأنشطة الاقتصادية وتوسيع الاعتماد على المستثمرين المصريين والأجانب، ما سيخلق مزيداً من فرص العمل في السوق المصرية".

والخطوة الرابعة مرتبطة بالسياسة الخارجية وتتمثل في إعادة التموضع من روسيا وكوريا الشمالية تحديداً، عبر "إبطاء عجلة العلاقات مع الأولى وخدمتها إقليمياً، وتجميد العلاقات مع الثانية، فواشنطن ترى بأن موسكو لم تقدم للسيسي أي شيء يجعله حريصاً على إرضائها أكثر من التزاماته تجاه واشنطن. وترى أيضاً أن الأضرار الاقتصادية التي أصابت مصر تتحمل روسيا جزءاً كبيراً من المسؤولية عنها نتيجة وقف حركة الطيران، وتعتبر كذلك أن التوقيت بات ملائماً لفض التعاون العسكري والسياسي القائم منذ الستينيات بين القاهرة وبيونغ يانغ، حتى لو كان ضئيلاً في الفترة الحالية، فما زالت واشنطن غير راضية عن إنكار مصر استيرادها قطع غيار صواريخ (سكود) من كوريا الشمالية قبل نحو 5 أعوام".



والخطوة الخامسة هي "تقديم مزيد من العون للإدارة والمصالح الأميركية في ملفي ليبيا والمباحثات الفلسطينية الإسرائيلية، فثمة اعتقاد سائد في دوائر صنع القرار بواشنطن بأن مصر تحت حكم السيسي لم يعد لديها ما تقدمه في غير هذين الملفين، نتيجة انهيار قيادتها الإقليمية لمصلحة السعودية وقطر والإمارات، في ظل الخلافات المتكررة جذرياً أو جزئياً بين تلك الدول الثلاث. وهو ما يدفع واشنطن للبحث عن الاستفادة المثلى من مصر مقابل استمرار المساعدات لها".

وبحسب المصادر المصرية، فإن "السيسي سبق وعرض على ترامب أن يبادر في تنفيذ بعض الأفكار لتحريك عملية السلام في المنطقة، إلّا أن الخطوات التي تحدث عنها السيسي اقتصرت على توحيد السلطة الفلسطينية والتهدئة الأمنية على خطوط التماس بين مصر وقطاع غزة وإسرائيل، لكنها لم تقدم علاجاً للمشاكل القائمة بين الطرفين. كما أن واشنطن لم ترصد بعد ثمار عملية إدخال السعودية، فعلياً، إلى إطار اتفاق السلام المصري مع إسرائيل بتسليمها جزيرتي تيران وصنافير وتحويل مضيق تيران بخليج العقبة إلى مياه دولية، وهي الخطوة التي كان يراهن السيسي على أنها سترفع أسهمه لدى واشنطن".

أما الخطوة السادسة، والتي تصفها المصادر المصرية بـ"مستحيلة التحقق"، فهي "اتباع الدولة المصرية إجراءات أكثر شفافية في محاربة الإرهاب في شمال سيناء، بما يتفق مع معايير حقوق الإنسان"، فالعديد من نواب الكونغرس ومسؤولي الحزبين الرئيسيين ملمون بتقارير استخباراتية أميركية اتهمت السيسي بـ"التسبب في تفاقم الأوضاع في سيناء نتيجة الحرب هناك وإخلاء مساحات شاسعة من الأرض، واستخدام فرق من المدنيين لقتل المطلوبين والمشتبه فيهم". وهو ما يراه هؤلاء السياسيون أمراً خطيراً قد يتسبب في أن تتحول سيناء إلى بؤرة وقبلة للإرهابيين من تنظيم "داعش" وغيره بعد اندحارهم من مناطق مختلفة بالشرق الأوسط.