مطالبة بتعديل قانون المخدرات لوقف تزايد التعاطي والإدمان
5% من الفتيات يتعاطين المخدرات ونصف التلاميذ جرَّبوا "الحشيش"
5% من الفتيات يتعاطين المخدرات ونصف التلاميذ جرَّبوا "الحشيش"
تفاقمت ظاهرة تعاطي المخدرات في المجتمع التونسي بشكل ملحوظ، بعد الثورة نتيجة الأزمة الاقتصادية وتفشي البطالة في أوساط الشباب إضافة إلى تهاوي المنظومة الرقابية، بعد إنهاك المؤسسة الأمنية وتفرغها لمحاربة الإرهاب.
وتنتشر تجارة المخدرات في صفوف الشباب التونسي (ذكورا وإناثا)، حتى أنها وصلت حد ظهور عصابات تشبه المافيا إلى حد كبير، مشكّلة خطرا جديدا على الأمن العام بعد دخولها في مواجهات دامية تكاد تكون يومية على غرار ما حدث مؤخرا في منطقة "جلمة" من محافظة "سيدي بوزيد" مهد الثورة التونسية التي قتل فيها عنصر أمن بعد إصابته بطلق ناري خلال اشتباكات مع المهربين.
وفي السياق ذاته، قامت القوات الأمنية بسلسلة مداهمات لأوكار دعارة ومخدرات في محافظة قفصة ومنطقة المنار في العاصمة، كما فككت شبكة مختصة بترويج المخدرات في محافظة قابس، وصادرت كميات كبيرة من المخدرات و"الزطلة" في مناطق مجاورة.
وعملت قوات الأمن التونسية طوال الفترة الأخيرة على محاربة تجارة المخدرات، لتنجح في القبض على عشرات الشبكات المختصة في ترويج المواد المخدرة التي يتزايد عليها الإقبال يوما بعد يوم.
ولعل أشهر القضايا التي تم ضبطها، تلك الخاصة بالعصابة الدولية التي ضبطتها القوات الجزائرية أثناء تهريب قرابة عشرة أطنان من المخدرات إلى الأسواق التونسية، والتي انتمى عناصرها إلى جنسيات جزائرية وتونسية وليبية، فيما أفادت مصادر أمنية أن آلاف الأطنان من المخدرات متواجدة على الحدود بين بلدان المغرب العربي، وتسعى العصابات إلى إدخالها إلى تلك البلدان، وخاصة تونس، مستغلة حالة الانفلات الأمني.
تزايد أعداد المدمنين
واستفحلت ظاهرة تعاطي المخدرات في تونس بشكل كبير بعد الثورة، نظرا للظرف الأمني الذي تعيشه البلاد، ما ساهم في ارتفاع نسب المستهلكين خاصة في صفوف الشباب، ويؤكد المحامي غازي المرابط أن عدد المحتجزين في مراكز الإيقاف بتهم استهلاك مواد مخدرة يقدر بنحو ثمانية آلاف موقوف من بين خمسة وعشرين ألف موقوف أومحكوم في السجون التونسية في قضايا مختلفة، حيث تأتي قضايا المخدرات في المرتبة الثانية، بعد قضايا السرقة من حيث عدد الموقوفين.
وأظهرت بيانات إحصائية حديثة أن ما بين خمسة إلى عشرة في المئة من الفتيات التونسيات، مدمنات على تعاطي المخدرات من بين 56 في المئة من المراهقين الذين يتعاطون القنب الهندي أو ما يعرف في تونس بـ"الزطلة"، ووفقا لدراسة الجمعية التونسية للوقاية من تعاطي المخدرات، حول تعاطي المراهقين، فإن في تونس مقابل كل مئة ألف رجل مدمن، ثمانية آلاف فتاة وسيدة مدمنة.
ولا تقتصر ظاهرة استهلاك المخدرات على العاطلين عن العمل فقط، بل شملت التلاميذ أيضا، حيث اجتاحت المخدرات الوسط المدرسي، وفق تقرير حكومي تونسي صدر مؤخرا، كشف أن 50 في المئة من تلاميذ المؤسسات التربوية في تونس، جربوا مادة مخدرة، بما في ذلك التدخين والكحول.
وأضاف تقرير "البحث التجريبي حول تعاطي التدخين والكحول في المؤسسات التربوية" الذي أعدته إدارة الطب المدرسي والجامعي التابعة لوزارة الصحة التونسية أن "التلاميذ الذين جربوا المواد المخدرة في المؤسسات التربوية يتوزعون بين 61 في المئة ذكورا و40 في المئة من الإناث".
وأظهرت آخر دراسة أجرتها وزارة الصحة التونسية، أن 12 تلميذاً من بين كل 30 تلميذاً تونسيا، يتعاطون مخدر "الحشيش" داخل المعاهد الثانوية والمدارس الإعدادية.
وبينت دراسة أخرى أصدرتها خليّة علوم الإجرام بمركز الدراسات القضائية الحكومي أنّ "نسبة المتعاطين للمخدرات بمختلف أنواعها لدى المراهقين والشباب تقدر بـ 57 في المئة في الأوساط العمرية المتراوحة بين 13 و18 عاما، بينما تقل نسبة التعاطي تدريجيا بين الفئات الأكبر سنّا إلى 36 في المئة بين 18 و25 عاما، لتنخفض إلى 4 بالمئة بين الفئة العمرية 25 و35 سنة، في حين لا تتجاوز نسبة المتعاطين بين الفئة المتراوحة بين 35 و50 سنة، اثنين في المئة.
وأشارت الدراسة ذاتها، إلى أن مادة الحشيش هي أكثر المواد المخدّرة استهلاكا في تونس، بنسبة 92 في المئة ثمّ المواد المستنشقة 23 في المئة، ثمّ الكوكايين بنسبة 16 في المئة والهرويين بنسبة 16 في المئة.
مراجعة قانون المخدرات
وبعد أن باتت ظاهرة المخدرات مشكلة تؤرق الجميع في تونس، لما لها من تداعيات صحية واجتماعية واقتصادية خطيرة، وجهت الجمعية التونسية للوقاية من تعاطي المخدرات الدعوة للسلطات التونسية لدراسة إمكانية إلغاء عقوبات السجن بالنسبة لمستهلكي "الزطلة" واستبدالها ببرنامج علاجي، مشيرة إلى أن التشريعات التي تطبق حاليا على المستهلكين، لا تقوم بدور فعال للحد من الظاهرة التي عصفت بمستقبل العديد من الشباب.
ويبدو أن النداءات التي أطلقتها بعض الجهات وجدت أذانا صاغية، حيث أعلن عن "تشكيل لجنة وطنية بمشاركة ممثلين عن وزارات العدل والداخلية والشؤون الاجتماعية، تعمل على مراجعة القانون المتعلق بالمخدرات الصادر عام 1992، حيث تسعى اللجنة إلى الكشف المبكر عن تعاطي المخدرات، وتطوير آليات تأطير المدمنين إضافة إلى مراجعة عمل الهياكل المعنية بمكافحة المخدرات، كالمكتب التونسي للمخدرات ولجنة الإدمان على المخدرات، كما تم الاتفاق كذلك على مراجعة قانون المخدرات، وإخضاع المدمن للمتابعة الطبية والنفسية خلال مراحل التتبع القضائي.
وتهدف بعض الجمعيات إلى مساعدة المدمنين للتعافي من الإدمان الذي يهدد المجتمع بأسره، داعية السلطات المعنية إلى تحمل مسؤولياتها، ومنح الموضوع اهتماما أكبر، من خلال تكثيف حملات المداهمة الأمنية في المقاهي والمدارس والمعاهد الثانوية وغيرها من الأماكن التي يرتادها الشباب التونسي.
فيما يرى آخرون أنّ مقاومة الظاهرة تتطلب مراجعة التشريعات وتخفيف العقوبات على المستهلكين، وفي المقابل تضييق الخناق على المروجين علاوة على توفير العلاج المجاني للمدمنين باعتبارها الطريق الأمثل للحد من آثار الإدمان الجانبية على الفرد والمجتمع.
من جانبها، أكدت رئيسة اتحاد المرأة التونسية أن ظاهرة إدمان الفتيات خطيرة وتستوجب المتابعة داعية الدولة والمجتمع المدني إلى العمل لوضع حد لهذا الخطر الداهم.
ترويج المخدرات في السجون
وللمفارقة، تحولت أغلب المؤسسات العقابية إلى بؤر تزدهر فيها تجارة المخدرات، بمختلف أنواعها، ما يتيح الفرصة للمساجين لاستهلاك هذه المواد من دون بذل أي مجهود، نظرا لتواطؤ بعض الأمنيين في إدخالها إلى السجون وفق قول مسؤولين أمنيين.
وكشف كاتب عام نقابة الأمن الجمهوري الحبيب الراشدي، أنّ المخدرات وغيرها من المواد المحظورة قانونا موجودة في السجون التونسية، وهو ما يُتيح الفرصة للمساجين لاستهلاكها، مؤكدا تورط بعض الأمنيين في تسريب المخدرات، وخاصة مادة القنب الهندي أو ما يُعرف بـ"الزطلة" إلى السجون.
"ما تتفرجوش فينا" (لا تشاهدونا) اسم فيلم وثائقي يروي معاناة مجموعة من مدمني المخدرات ويقدم شهادات حية لمدمنين يتحدثون عن تفاصيل تجربة إدمانهم دون إخفاء وجوههم لأول مرة.
ويروي المتحدثون في الفيلم، وأغلبهم من الشباب، تجربتهم مع مادة "الزطلة" والحشيش والحبوب المخدّرة، معترفين بإدمانها ومواصلة تعاطيها لأسباب تكاد تكون تقريبا متماثلة، إذ يعاني كل منهم، حسب قولهم، مشاكل اجتماعية واقتصادية كصعوبة التأقلم مع الوضع الحالي للبلاد، وعسر الاندماج في المجتمع والعائلة والضياع والفراغ، والبطالة وغلاء الأسعار، حتى أن أحدهم علل لجوءه إلى "الزطلة" بسبب ارتفاع أسعار المشروبات الكحولية.
ويرجع الأخصائيون الاجتماعيون تزايد ظاهرة إدمان الشباب التونسي للمخدرات بعد الثورة إلى قسوة ظروف العيش وحالة الإحباط الناجمة عن انسداد الآفاق أمام الشباب في ظل تفشي الفقر والبطالة، إضافة إلى التفكك الاجتماعي والاضطرابات النفسية.
ويؤكد الأخصائيون أن "الإدمان شكل من أشكال رد الفعل على رفض الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية عامة، ودليل على تراجع دور الدولة في القيام بدورها وفشلها في تحقيق الآمال، ما يدفع بالشباب، خاصة من الفئات الهشة، إلى التعبير عن رفضها بطريقة سلبية، يمثل استهلاك المخدرات أحد مظاهرها.
المخدرات في خدمة الإرهاب
وتشير تقارير أمنية واستخباراتية أن المجموعات الإرهابية المنتمية إلى تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي تتخذ من الاتجار بالمخدرات مصدرا لتمويل أنشطتها وتحركاتها في المنطقة، ويرى الدكتور مازن الشريف، الخبير ورئيس قسم مكافحة الإرهاب في المركز التونسي لدراسات الأمن، المخدرات في تونس نوعا من أنواع الإجرام المنظم، وأحد أقسام الإرهاب، مشيرا إلى أن تنظيم القاعدة، جعل من أفغانستان مركزا لزراعة المخدرات وبيعها، لتمويل الإرهاب.
ويؤكد الشريف وجود قادة ينتمون إلى القاعدة متورطين في هذه التجارة، ومنهم عبد القادر المختار، الشهير باسم "أمير المارلبورو"، وأن هذه الشبكات تتعاون مع بعضها بعضا في الإرهاب والترهيب، حيث يمتلك هؤلاء شبكات وعناصر من المنحرفين وأموالا تتحرك، كما يعمل عدد منهم ضمن العشيرة والقبيلة، مضيفا أن أمراء القاعدة في المغرب الإسلامي يلجؤون إلى غسل عقول الشباب بعد استقطابهم عن طريق إغرائهم بالأموال.
ويؤكد الشريف وجود قادة ينتمون إلى القاعدة متورطين في هذه التجارة، ومنهم عبد القادر المختار، الشهير باسم "أمير المارلبورو"، وأن هذه الشبكات تتعاون مع بعضها بعضا في الإرهاب والترهيب، حيث يمتلك هؤلاء شبكات وعناصر من المنحرفين وأموالا تتحرك، كما يعمل عدد منهم ضمن العشيرة والقبيلة، مضيفا أن أمراء القاعدة في المغرب الإسلامي يلجؤون إلى غسل عقول الشباب بعد استقطابهم عن طريق إغرائهم بالأموال.